نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: لم نذر فيها خيرا. فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الله، الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه".
وفي الرواية السادسة: "أما أهل النار الذين هم أهلها. فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال بخطاياهم- فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة. ثم قيل: يا أهل الجنة، أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل".
وفي الرواية الخامسة عشرة "إن قوما يخرجون من النار، يحترقون فيها إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة".
وقد تمسك بعض المبتدعة بظاهر قوله في الرواية الأولى "أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا"، فزعم أن من وحد الله من أهل الكتاب يخرج من النار، ولو لم يؤمن بغير من أرسل إليه. قال الحافظ ابن حجر: وهو قول باطل، فإن من جحد الرسالة كذب الله، ومن كذب الله لم يوحده. اهـ.
ولما كان ظاهر الرواية الأولى أن الملائكة هي التي تخرج من النار، وظاهر الرواية الثالثة أن المؤمنين هم الذين يخرجون إخوانهم، رفع هذا التعارض بأن الملائكة يؤمرون من الأنبياء والمؤمنين، فيباشرون الإخراج، يعرفون المؤمنين بآثار السجود. قال الزين بن المنير: تعرف صفة هذا الأثر مما ورد في قوله تعالى: {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}[الفتح: ٢٩] لأن وجوههم لا تؤثر فيها النار، فتبقى صفتها باقية.
وقد يبدو قوله: "حرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود" معارضا لقوله: "حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة" لأنهم إذا صاروا فحما كيف يتميز أثر السجود، وحاصل الجواب: تخصيص أعضاء السجود من عموم الأعضاء كأنه قال: حتى إذا كانوا فحما فيما عدا أعضاء السجود أذن بالشفاعة.
وقد اختلف العلماء في المراد بأثر السجود، فذهب النووي إلى أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة. وهي: الجبهة واليدان والركبتان والقدمان، وبهذا جزم بعض العلماء. وذهب القاضي عياض إلى أن المراد الوجه خاصة. بدليل قوله في الرواية الخامسة عشرة "يحترقون بها فيها إلا