عملت أشياء لا أراها ههنا؟ فيضحك رب العزة ويرضى عن عبده العاصي، ويقول له: لعلك إن صرفت وجهك عن النار أن تسألني غير ذلك؟ فيقول: لا، لا أسألك غيره، ويقسم ويعطي ربه من العهود والمواثيق ما شاء الله، فيصرف وجهه عن النار، فيقول لها: تبارك الذي نجاني منك "لقد أعطاني الله من الفضل والرحمة ما لم يعط أحدا من الأولين، والآخرين، ويسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم ترفع له شجرة ذات ظل ظليل، فيقول: يا رب. أدنني من هذه الشجرة، لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فقد آذاني الحر والعطش، فيقول له ربه: يا ابن آدم. لعلي إن أعطيتك ما تطلب أن تسألني غيره؟ فيقول: لا يا رب لا أسألك غيره، ويعطي ربه من العهود والمواثيق ما شاء الله، وربه يقبل عذره، لأنه يرى شيئا لا يستطيع الصبر عليه، فيدنيه من الشجرة فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ويسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم ترفع له شجرة أحسن من الأولى، فيقول مقالته السابقة وربه يعذره فيدنيه منها، ثم ترفع له شجرة ثالثة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول مقالته السابقة، فيقول له ربه: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، ألم تعطني عهودك ومواثيقك ألا تسأل غيره؟ فيقول: لا أسألك غيره يا رب.
ويعطي ربه من العهود والمواثيق ما شاء الله، فيدنيه منها، فيسمع أصوات أهل الجنة، أصواتا كالمزامير، فيتسمع ويتطلع فتنفتح أمامه أبواب الجنة فيرى ما فيها من نعيم وسرور وحبور، فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول له: يا ابن أدم: ما يقطع مسألتك مني؟ أين عهودك ومواثيقك ألا تسأل؟ فيقول: كرمك أوسع من مسألتي، وفضلك لا ينقصه عطائي، فيقول له: اذهب فادخل الجنة، فيدخلها، فيخيل إليه أنها ملأى، وأن الناس قد أخذوا منازلهم فيها، فيرجع، فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى. فيرجع، فيقول: يا رب، وجدتها ملأى فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنه اطلب تعط، فيتمنى قصورا وحدائق، وطعاما وشرابا وفرشا وأرائك، فإذا ما طلب ما يشتهي ذكره ربه بأشياء لم يذكرها، يقول له: اطلب كذا وكذا وكذا، مما لا يخطر على قلب بشر، حتى إذا ما انقضت به الأماني قال الله له: ذلك لك وعشرة أمثاله معه، فيقول: يا رب، لا أستحق شيئا من ذلك، لا تكاد عيني تصدق ما ترى، ولا تكاد أذني تصدق ما أسمع، أكاد أغيب عن صوابي، فيضحك رب العزة ويقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر، فيدخل بيته، فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فتحتضنانه وتقبلانه وتقولان له: الحمد لله الذي أحياك لنا، وأحيانا لك، فيعيش في سعادة دائمة، وسرور خالد، وهو يقول في نفسه: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت.
ذلك أدنى أهل الجنة منزلة يوم القيامة، أما أعلاهم منزلة فأولئك الذين اختارهم ربهم واصطفاهم، لهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}[السجدة: ١٧] فاللهم اجعلنا من أهل الجنة، الناجين من النار، ويسر لنا الموقف العظيم، واهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.