أعدى الأسبق؟ فإن تكرر إلى ما لا نهاية لزم التسلسل، وهو باطل، وإن وصلنا إلى بعير أصابه الجرب بدون عدوى، ووصلنا إلى أن الله تعالى هو الذي أجربه. قلنا الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني، فالذي فعل الجرب بالجميع هو ذلك الخالق القادر على كل شيء.
(لا يورد ممرض على مصح) الممرض بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الراء هو الذي له إبل مرضى، والمصح بضم الميم وكسر الصاد، من له إبل صحاح، ومفعول "يورد" محذوف، أي لا يورد صاحب الإبل المراض، إبله على إبل صاحب الإبل الصحاح، ولفظ "لا يورد" خبر بمعنى النهي، بدليل رواية البخاري "لا يوردن ممرض على مصح" بلفظ النهي المؤكد بنون التوكيد الثقيلة.
(قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي: كذا هو في جميع النسخ "كلتيهما" بالتاء والياء، مجموعتين، والضمير عائد إلى الكلمتين أو القصتين أو المسألتين، ونحو ذلك. اهـ أي كان الظاهر أن يقول "كليهما" ليعود الضمير على الحديثين، حديث "لا عدوى" وحديث "لا يورد ممرض على مصح".
(ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله "لا عدوى" وأقام على "ألا يورد ممرض على مصح) أي سكت أبو هريرة عن التحديث بحديث "لا عدوى" فلم يعد يرويه، وبقي يروي الحديث الثاني، قال الحارث لأبي هريرة: قد كنت أسمعك تحدثنا مع هذا الحديث حديثاً آخر، قد سكت عنه، كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا عدوى"؟
(فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك) أي أبى أن يعترف أنه حدث بذلك الحديث "لا عدوى" وفي رواية البخاري "وأنكر أبو هريرة حديث الأول" أي أنكر أنه رواه، أو حدث به.
(فماراه الحارث في ذلك) من المماراة، أي ناقشه وجادله في أنه حدث به، وفي بعض النسخ "فما رآه الحارث في ذلك" بالهمزة، أي فما رآه مصيباً في ذلك الإنكار، فأخذ يؤكد له أنه حدث به.
(حتى غضب أبو هريرة، فرطن بالحبشية) يقال: رطن بالأعجمي بفتح الطاء، يرطن بضمها، رطانة، أي تكلم بلغته، ورطن فلان تكلم بالأعجمية، أو تكلم بكلام لا يفهمه السامع.
(فقال للحارث) أي بعد أن رطن وهدأ من غضبه.
(أتدري ماذا قلت) في رطانتي؟
(قلت: أبيت) أي أرفض الاعتراف به، وامتنع عن الإقرار بحصوله.
(فلا أدري أنسي أبو هريرة) أنه حدث بحديث "لا عدوى"؟
(أو نسخ أحد القولين الآخر)؟ معناه أو نسخ الحديث الذي أقام على التحديث به الحديث الذي سكت عنه؟ وهذا الشك والترديد الذي ردده أبو سلمة، قد قطعه في رواية البخاري، حيث قال فيها "فما رأيته نسي حديثاً غيره" وفي رواية "فما رأيناه نسي حديثاً غيره" قال النووي: ولا يؤثر نسيان أبي هريرة لحديث "لا عدوى" لوجهين: أحدهما أن نسيان الراوي للحديث الذي رواه لا يقدح