أو دفع ضر، ومثل الطير كل ما يتشاءم منه، فقد كان بعضهم يتشاءم بصوت الغراب، وكان بعضهم إذا رأى الجمل شديد الحمل تشاءم، فإن رآه واضعاً حمله تيامن فنسب التشاؤم بأي شيء إلى الطير، أخذاً من الأصل.
وصور الحافظ ابن حجر كيفية تيامنهم وتشاؤمهم بالطير بقوله: وما ولاك ميامنه، بأن يمر عن يسارك إلى يمينك فهو السانح، بالنون يتيمنون به، وما ولاك العكس، بأن يمر عن يمينك إلى يسارك فهو البارح، بالباء، يتشاءمون به.
فالطيرة في الأصل تشمل التفاؤل والتشاؤم، إلا أنه لما رخص الشرع في التفاؤل، لأنه لا يعطل المصالح انصرف لفظ "الطيرة" المنهي عنه إلى التشاؤم، فالتطير والتشاؤم بمعنى واحد شرعاً.
نعم ظاهر بعض الأحاديث أن الفأل نوع من الطيرة، ففي الرواية العاشرة "لا طيرة، وخيرها الفأل" قال الكرماني وغيره: فهذه الإضافة تشعر بأن الفأل من جملة الطيرة. اهـ وهذا محمول على أصل استعمال الطيرة، وقال النووي: الفأل يستعمل فيما يسوء، وفيما يسر، وأكثره في السرور، والطيرة لا تكون إلا في الشؤم، وقد تستعمل مجازاً في السرور. اهـ قال الحافظ ابن حجر: كأن ذلك بحسب الواقع، وأما الشرع فخص الطيرة بما يسوء، والفأل بما يسر، ومن شرطه أن لا يقصد إليه، فيصير من الطيرة.
وظاهر قوله في الرواية العاشرة "وخيرها الفأل" يوحي بأن في الطيرة خيراً، لأن أفعل التفضيل تفيد أن الأمرين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر في هذه الصفة، مع أن التشاؤم لا خير فيه، ووجهه العلماء بتوجيهين:
الأول: أنه من قبيل إرخاء العنان للخصم، بأن يجري الكلام على زعم الخصم، حتى لا يشمئز عن التفكر فيه، فإذا تفكر فأنصف من نفسه قبل الحق، فقوله "خيرها الفأل" إطماع للسامع في الاستماع والقبول، لا أن في الطيرة خيراً حقيقة.
التوجيه الثاني: أن أفعل التفضيل ليس على بابه، بل المراد به مجرد إثبات وصف الخيرية لأحد المتشاركين في وجه ما، فالطيرة والفأل مشتركان في التأثير، أي تأثير كل منها فيما هو فيه، والخبرية في الفأل وحده، كذا قيل في قوله تعالى {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً} [الفرقان: ٢٤] وقولهم: العسل أحلى من الخل.
وفي الرواية الواحدة والعشرين "كنا نتطير؟ قال: ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم "ومعناه أن كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة، ولكن لا تلتفتوا إليه ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل هذا.
وسيأتي قريباً الكلام في شؤم الفرس والمرأة والمسكن.
(ولا نوء) بفتح النون وسكون الواو كذا في الرواية السادسة، أي لا تقولوا: مطرنا بنوء كذا، ولا تعتقدوه، قال النووي: قال ابن الصلاح: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب، فإنه مصدر ناء النجم، ينوء نواء، أي سقط وغاب، وقيل: أي نهض وطلع، وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجماً، معروفة