نفي ما كانوا يعتقدون من دواب قاتلة، تكون في البطن، فكأنه قال: لا حقيقة لما تعتقدون من ذلك، وإنما الموت بفعل الله تعالى إذا فرغ الأجل.
وكانوا يعتقدون أن هذا الجوع ينتقل من المريض إلى السليم بالمخالطة، لذا قرن بنفي العدوى، وقيل، إن المراد بصفر المنفي شهر صفر، وذلك أن العرب كانت تحرم صفر، وتستحل المحرم، كما تقدم في كتاب الحج، عند حديث "كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ويجعلون المحرم صفراً" قال ابن بطال: وهذا القول مروي عن مالك. اهـ
أي لا صفر يسبق المحرم، كما تفعلون، ولا مانع من أن يراد بصفر المنفي الأمران جميعاً.
وقيل: الصفر وجع في البطن، ينشأ من الجوع، أو من اجتماع الماء في البطن، الاستسقاء، ومن الأول حديث "صفرة في سبيل الله خير من حمر النعم" أي جوعة في سبيل الله، ومنه أيضاً قولهم: صفر الإناء، إذا خلا عن الطعام، ومن الثاني حديث "أن رجلاً أصابه الصفر، فنعت له السكر" أي حصل له الاستسقاء، فوصف له النبيذ.
(ولا هامة) بتخفيف الميم على المشهور، ولم يذكر الجمهور غيره، وحكي بتشديدها، قال الحافظ ابن حجر: وكأن من شددها ذهب إلى أنها واحدة الهوام، أي ذوات السموم، وقيل: إحدى دواب الأرض التي تهم بأذى الناس، قال النووي: فيه تأويلان: أحدهما أن العرب كانت تتشاءم بالهامة، وهي الطائر المعروف من طير الليل، قيل هي البومة، قالوا: كانت إذا سقطت على دار أحدهم رآها ناعية له نفسه، أو بعض أهله، وهذا تفسير مالك بن أنس، (وعلى هذا فالمعنى: لا شؤم بالبومة ونحوها) والثاني أن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت -وقيل: روحه- تنقلب هامة، تطير، هذا تفسير أكثر العلماء، وهو المشهور، (وعلى هذا فالمعنى: لا حياة لهامة الميت) ويجوز أن يكون المراد النوعين، فإنهما جميعاً باطلان، فبين النبي صلى الله عليه وسلم إبطال ذلك، وضلالة الجاهلية، فيما تعتقده من ذلك. اهـ
وقال المناوي: الهامة دابة تخرج من رأس القتيل، أو تتولد من دمه، فلا تزال تصيح، حتى يؤخذ بثأره، هكذا زعمه العرب، فكدبهم الشرع.
وذكر الزبير بن بكار أن العرب كانت في الجاهلية تقول: إذا قتل الرجل، ولم يؤخذ بثأره، خرجت من رأسه هامة، تدور حول قبره، فتقول: اسقوني من دم قاتلي، فإذا أدرك بثأره ذهبت، وإلا بقيت، قال: وكانت اليهود تزعم أنها تدور حول قبره سبعة أيام، ثم تذهب.
(ولا طيرة) كذا في الرواية الثانية والسابعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة، والثالثة عشرة والرابعة عشرة، والسادسة عشرة، والطيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن، فعلة من طار يطير، وأصلها منسوب إلى الطير، فقد كان العرب تتفاءل بتيامن الطير، وتتشاءم باتجاهه شمالاً، من أراد منهم البدء في عمل هام، أو مشروع كبير أو سفر، استوثق أولاً من نجاحه، بأن يزجر الطير الذي يلاقيه، فإن انصرف إلى جهة اليمين تفاءل وشرع في عمله، وإن انصرف إلى غير جهة اليمين تشاءم ورجع عن مشروعه، فنفى صلى الله عليه وسلم شرعة التطير، ليعلم أنه ليس لذلك العمل تأثير في جلب نفع،