(وشجرهم الناس برماحهم) المراد من "الناس" المسلمون جيش علي رضي الله عنه، أي طاعنهم المسلمون برماحهم، ومدوها إليهم، وكان هذا السلاح سبباً في الغلبة، حيث يقتل الرمح قبل وصول السيف، يقال: شجره إذا نازعه، ومنه التشاجر في الخصومة.
(وقتل بعضهم على بعض) أي قتلوا وتكدست القتلى طبقات، بعضهم فوق بعض لكثرتهم.
(وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان) أي قتل الخوارج وكانوا بضعة آلاف، ولم يقتل من أصحاب علي سوى رجلين، قيل: لم ينج منهم عشرة، ولم يصب من جيش علي رضي الله عنه عشرة.
(فقال علي رضي الله عنه التمسوا فيهم المخدج) أي ناقص اليد، وفي بعض الروايات "المخرج" بالراء بدل الدال أي منزوع اليد، مفصول الذراع.
(فالتمسوه فلم يجدوه فقام علي .... فوجده مما يلي الأرض) في الرواية التاسعة عشرة "فالتمس فوجد، فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت" وفي الرواية الثامنة والعشرين "فلما قتلهم علي قال: انظروا [أي التمسوا المخدج] فنظروا فلم يجدوا شيئاً، فقال: ارجعوا .. ثم وجدوه في خربة، فأتوا به فوضعوه بين يديه" وفي رواية "فالتمسه علي فلم يجده، ثم وجده بعد ذلك تحت جدار علي هذا النعت" وفي رواية الطبري "فقال علي اطلبوا ذا الثدية، فطلبوه فلم يجدوه .... فطلبوه، فوجدوه في وهدة من الأرض، عليه ناس من القتلى"، ولا تنافي بين الروايات فمجموعها يفيد أن علياً رضي الله عنه طلب منهم أن يبحثوا عن المخدج في القتلى، فلم يجدوه في البحث السطحي الأول، فهو واحد بين أربعة أو ستة آلاف قتيل، تكدس بعضهم على بعض، ولثقة علي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصر على وجوده، وقام معهم بنفسه يبحث، وأخذوا يجولون طبقات القتلى وينظرون في الطبقات السفلى، فكان فوقه قتيلان في أرض منخفضة في خربة، في أحضان جدار، فجاءوا به يسحبونه إلى مقر القيادة ليراه الناس، فيثقوا أنهم على الحق، وأن من قتلوا كانوا على الباطل، ويزدادوا يقيناً بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمام هذه المعاينة كان أبو سعيد الخدري، الذي سمع أوصاف المخدج من لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحلف ويقول: أشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، وأتي به، ونظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت.
(كلمة حق أريد بها باطل) لا حكم إلا لله، وفي القرآن {إن الحكم إلا لله}[الأنعام: ٥٧] كلمة حق، وكل حاكم بالحق فحكمه من الله ولله، فإذا أريد اتهام الحاكم بالانحراف قيل له: لا حكم إلا لله، يعرض ببطلان حكمه، وكانوا يكفرون علياً بقبوله التحكيم، كما سيأتي في فقه الحديث.
(يتيه قوم قبل المشرق) يقال: تاه يتوه ويتيه إذا ضل، أي يذهبون عن الصواب، وعن طريق الحق.