والتنبيه مما ينتفع به من سبقت له السعادة أتبع بما هو أوقع في الغرض، وأبلغ في المقصود وهو ذكر طائفة ممن أظهر الإيمان - ممن قدم الثناء عليهم ومن أقرانهم وأترابهم أقارربهم تلبست في الظاهر بالإيمان وأظهرت الانقياد والإذعان، وتعرضت فأعرضت وتنصلت فما وصلت، بل عاقتها الأقدار فعميت البصائر والأبصار.
ومن المطرد المعلوم أن اتعاظ الإنسان بأقرب الناس إليه وبأهل زمانه أغلب
من اتعاظه بمن بعد عنه زمانا ونسبا، فأتبعت سورة الجمعة بسورة المنافقين وعظا للمؤمنين بحال أهل النفاق، وبَسَط من قصصهم ما يلائم ما ذكرناه، وكأن قد قيل لهم ليس من أظهر الانقياد والاستجابة في بني إسرائيل، ثم كان فيما حمل كمثل الحمار يحمل أسفارا بأعجب من حال إخوانكم زمانا وقرابة، وأنتم أعرف الناس بهم، وأنهم كانوا في الجاهلية موصوفين بجودة الرأى وحسن النظر "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ""وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (٧) .
قلت: "وقد مر في الخطبة ما رويناه في مصنف ابن أبي شيبة من قول
أناس من المؤمنين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين