ويفري بهم، فتلطف له ذلك المددي فقعد له تحت صخرة، فلما مرّ به عرقب فرسه وخر الرومي لقفاه فعلاه بالسيف فقلته، فأقبل بفرسه بسرجه ولجامه وسيفه ومنطقته وسلاحه مذهب بالذهب والجوهر إلى خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، فأخد منه خالد طائفة ونفله بقيته، فقلت: يا خالد ما هذا؟ أما تعلم أن رسول الله -عليه السلام- نفل القاتل السلب كله؟ قال بلى، ولكني استكثرته، فقلت: أيم الله لأعرفنكها عند رسول الله -عليه السلام-، قال عوف: فلما قدمنا على رسول الله -عليه السلام- أخبرته خبره، فدعاه وأمره أن يدفع إلى المددي بقية سلبه، فولى خالد -رضي الله عنه- ليفعل، فقلت: كيف رأيت يا خالد أو لم أفِ لك بما وعدتك؟ فغضب رسول الله -عليه السلام- وقال: يا خالد لا تعطه، وأقبل علي فقال: هل أنتم تاركوا أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره".
أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- قد كان أمر خالدًا بدفع بقية السلب عليه إلى المددي فلما تكلم عوف بما تكلم به أمر رسول الله -عليه السلام- خالدًا أن لا يدفعه إليه؟ فدل ذلك أن السلب لم يكن واجبًا للمددي بقتله الذي كان ذلك السلب عليه؛ لأنه لو كان واجبًا له بذلك إذًا لما منعه رسول الله -عليه السلام- منه لكلام كان من غيره، ولكن رسول -عليه السلام- أمر خالدًا بدفعه إليه، وله دفعه إليه وأمره بعد ذلك بمنعه منه، وله منعه منه كقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأبي طلحة في حديث البراء: "قد بلغ مالاً عظيمًا ولا أُرَانا إلا خامسيه. قال: فخمسه" فأخبر عمر -رضي الله عنه- أنهم كانوا لا يخمسون الأسلاب ولهم أن يخمسوها، وأن تركهم خمسها إنما كان بتركهم ذلك لا لأن الأسلاب قد وجبت للقاتلين كما تجب لهم سهمانهم من الغنيمة، فكذلك ما فعله رسول الله -عليه السلام- في حديث عوف بن مالك من أمره خالدًا بما أمره به، ومن نهيه إياه بعد ذلك عما نهاه عنه إنما أمره بما له أن يأمر به، ثم نهاه عما له أن ينهاه عنه.
وفيما ذكرنا دليل صحيح أن السلب لا يجب للقاتل من هذه الجهة.
ش: ذكر هذا أيضًا شاهدًا لصحة ما قاله أهل المقالة الثانية من أن السلب لا يجب للقاتل بقتله، ولا يجب إلا بقول الإِمام: "من قتل قتيلاً فله سلبه"، وهو ظاهر من حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه-.