فسخ ذلك البيع، أو يردّ له ثمنه إلى الأثمان التي تكون في بياعات أهل الحضر بعضهم من بعض، ففي منع النبي -عليه السلام- الحاضرين من ذلك إباحة الحاضرين التماس غرة البادي في البيع منهم والشراء منهم، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أي وفي عدم ثبوت الخيار للبائع الجالب الذي يتلقاه الناس فيشترون منه أيضًا برهان آخر، تقريره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- للبائع المتلقى الخيار فيما باعه إذا دخل الأسواق وعلم بأسعار الأشياء، فبعد ذلك ننظر هل ورد شيء يضاد ذلك أم لا؟ فاعتبرنا ذلك فوجدنا جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم-، وهم: أنس بن مالك وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة ورجل من الصحابة وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم- قد رَوَوْا عن النبي -عليه السلام- النهي عن بيع الحاضر للبادي.
ثم نظرنا في العلة في هذا النهي ما هي؟
فوجدناها في رواية جابر -رضي الله عنه- وهي أن نهيه -عليه السلام- عن بيع الحاضر للبادي هي كونه يعلم أسعار الأسواق فيستقصي على الحاضرين، فلا يجعل لهم في ذلك ربح إذا باعهم البادي على جهله وعدم معرفته بأسعار الأسواق ربح عليه الحاضرون فأمر النبي -عليه السلام- أن يخلي بين الحاضرين والبادين في البياعات حيث قال:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ومنع الحاضرين أن يدخلوا عليهم، فإذا كان الأمر كذلك وقد ثبت إباحة التلقي الذي لا ضرر فيه بالآثار المذكورة، صار شرى المتلقي من الجلّاب كشرى الحاضر من البادي فهو داخل في قوله -عليه السلام-: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" وبطل في ذلك أن يكون خيار للبائع؛ لأنه لو كان له خيار إذن لم يكن للمشتري في ذلك ربح لأن البادي ربما اختار الفسخ لعلمه بعد نزوله السوق الأسعار، فيحرم المشتري حينئذ من الربح الذي كان قد حصل له بشراءه عند التلقي، وأيضًا لو كان للبائع خيار