للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١): نا هشيم، عن حصين، عن عكرمة قال: "الوضوء مما خرج وليس مما دخل".

وقد عرف في علم الأصول أن قول الصحابي المجتهد حجة لاحتمال السماع وزيادة الإصابة في الرأي ببركة صحبة النبي - عليه السلام - فابن عباس وابن مسعود - رضي الله عنهم - لا شك في اجتهادهما وكثرة علمهما واتساع فقههما، والخلاف في قول التابعي؛ لأنهم رجال ونحن أيضًا رجال، ومع هذا لا يتم الإجماع بخلاف التابعي عندنا؛ خلافا للشافعي.

وأما قوله: "قلنا هذا فاسدة؛ فإنه نوع تأويل ... إلى آخره" ففاسد لأن هذا التأويل لا يخالف الظاهر؛ لأن الظاهر (أن) (٢) الوضوء له سبب وهو إرادة الصلاة مع الحدث، ولم يوجد هذا السبب عند أكل لحم الإبل حتى نقول: إن الأمر بالوضوء منه هو الوضوء الشرعي، وإنما معنى الأمر فيه منصرف إلى غسل اليد لوجود سببه وهو الزهومة والغَمر، فمعنى الوضوء يتأول على الوضوء الذي هو النظافة ونقاء الزهومة، كما روي: "توضؤوا من اللبن فإن له دَسَما" (٣).

قلت: "فبعضهم أوجبه بالقهقهة في الصلاة" غمز على الحنفية، وكذلك قوله: "والخارج من غير السبيل".

قلت: "وبعضهم أوجبه من لمس الذكر" غمز على الشافعية، والجواب عن هذا:


(١) "مصنف ابن أبي شيبة" (١/ ٥٢ رقم ٥٣٩).
(٢) تكررت في "الأصل".
(٣) رواه ابن ماجه (١/ ١٦٧ رقم ٥٠٠)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (١/ ٥٩ - ٦٠ رقم ٦٢٨)، والروياني في "مسنده" (٢/ ٢٢٤ رقم ١٠٨٦)، والطبراني في "الكبير" (٦/ ١٢٥ رقم ٥٧٢١)، كلهم من حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه -، ولكن بلفظ: "مضمضوا من اللبن فإن له دسمًا".
ورواه ابن ماجه في "سننه" (١/ ١٦٧ رقم ٤٩٨) من حديث ابن عباس مثله، وأصله في "الصحيحين" حكايته فعل: "أنه - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنًا ثم دعا بماء فتمضمض، وقال: إن له دسمًا"، البخاري (١/ ٨٧ رقم ٢٠٨)، ومسلم (١/ ٢٧٤ رقم ٣٥٨)، وروي عن أم سلمة مرفوعًا مثله. أما لفظ الوضوء فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١/ ٦٠ رقم ٦٣٧) عن أبي سعيد قال: "لا وضوء إلا من اللبن؛ لأنه يخرج من بين فرث ودم".
وأخرجه أيضًا (١/ ٦٠ رقم ٦٣٨) من حديث أبي هريرة قال: "لا وضوء إلا من اللبن".

<<  <  ج: ص:  >  >>