للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلم، وهو الموجز من القول، وهو ما قلَّت ألفاظه واتسقت معانيه، وقد يقال: هو القرآن لإيجازه وإعجازه.

ثم إذا ثبت بذكر الثلاث وتعيينه إباحة ما دونه نحتاج إلى التوفيق بينه وبين ما رُوي من اليوم واليومين والبريد، وهو أن نقول: لا يخلو إما أن يكون خبر الثلاث متقدمًا على هذه الآثار فيكون منسوخًا، أو متأخرًا عنها فيكون ناسخًا لها، ففي فرضنا له متقدمًا يكون مبيخا للسفر بأقل من ثلاث بلا محرم، ثم النهي الذي جاء بعده عن سفر ما دون الثلاث يكون محرِّمًا ما حرّم هذا، وهذا يكون زائدًا عليه بحرمة أخرى وهي ما بينه وبين الثلاث، فإذا كان كذلك يجب استعمال الثلاث على مقتضى رواية الثلاث.

وفي فرضنا له متأخرًا يكون ناسخًا لما تقدمه ويبطل العمل بما تقدمه، وأما حديث الثلاث يكون واجب الاستعمال في الحالين كما ذكرنا، والعمل بما كان واجب الاستعمال في الحالين أولى من الذي يجب استعماله في حال ويجب تركه في حال؛ فافتح بصيرتك فيه فإنه موضع دقيق، هذا ما ذكره الطحاوي.

وقال القاضي: وقوله في الرواية الواحدة عن أبي سعيد: "ثلاث ليال" وفي الأخرى: "يومين" وفي الأخرى: "أكثر من ثلاث" وفي حديث ابن عمر: "ثلاث" وفي حديث أبي هريرة: "مسيرة ليلة" وفي الأخرى عنه: "يوم وليلة" وفي الأخرى عنه: "ثلاث" وهذا كله ليس يتنافر ولا يختلف، فيكون - عليه السلام - منع من ثلاث ومن يومين (ومن يوم أو يوم وليلة) (١) وهو أقلها، وقد يكون قوله - عليه السلام - هذا في مواطن مختلفة ونوازل متفرقة فحدّث كل من سمعها بما بلغه منها وشاهده، وإن حدث بها واحد فحدّث مرات جمها على اختلاف ما سمعها.

وقد يمكن أن يلفق بينها بأن اليوم المذكور مفردًا والليلة المذكورة مفردة بمعنى اليوم والليلة المجموعين؛ لأن اليوم من الليل والليل من اليوم، ويكون ذكره يومين


(١) كذا في "الأصل، ك"، ولعل الصواب: "ومن يوم وليلة، ومن يوم" حتى يستقيم المعنى بما بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>