فقال علي - رضي الله عنه -: لقد علما أن المشي خلفها أفضل من أمامها مثل صلاة الجماعة على الفذ، ولكنهما يسيران مُيسِّرَان [يحبان أن ييسِّرا](١) على الناس.
قوله:"ففي هذا الحديث" أراد به حديث علي - رضي الله عنه -.
قوله:"لا لأن ذلك أفضل" أي لا لأجل أن المشي أمام الجنازة أفضل.
قوله:"وهذا مما لا يقال" أي الحكم بتفضيل شيء على آخر لا يقال بالرأي ولا مجال للرأي فيه، وإنما هو أمر توقيفي، ولولا أن عليًّا - رضي الله عنه - علم ذلك من النبي - عليه السلام - لما فعله ولما قال:"المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع، وفضل الرجل يمشي خلف الجنازة على الذي يمشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ" أي الواحد.
ص: وقد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني، قال: ثنا أبو بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد، عن نافع قال:"خرج عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وأنا معه على جنازة فرأى معها نساء، فوقف ثم قال: ردهن فإنهن فتنة الحي والميت، ثم مضى فمشي خلفها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن كيف المشي في الجنازة، أمامها أم خلفها؟ فقال: أما تراني أمشي خلفها؟! ".
فهذا عبد الله بن عمر لما سئل عن المشي في الجنازة أجاب سائله أنه خلفها، وهو الذي روينا عنه في هذا الباب أن رسول الله - عليه السلام - كان يمشي أمامها، فدل ذلك أن رسول الله - عليه السلام - كان يفعل ذلك على جهة التخفيف على الناس ليعلمهم أن المشي خلف الجنازة وإن كان أفضل من المشي أمامها ليس هو مما لا بد منه ولا مما لا يحرج تاركه، ولكنه مما له أن يفعله ويفعل غيره، وكذلك ما روي عن ابن عمر من ذلك، فروى عنه سالم أنه كان يمشي أمام الجنازة، فدل ذلك أيضًا على إباحة المشي أمامها لا على أن ذلك أفضل من المشي خلفها، ثم روى عنه نافع أنه مشي خلفها فدل ذلك أيضًا على إباحة المشي خلفها لا على أن ذلك أفضل من غيره، فلما سأله أخبره بالمشي
(١) في "الأصل، ك": يختاران تيسيرًا. والمثبت من "المصنف".