للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أضاف - عليه السلام - النسيان إلى نفسه في غير مما موضع بقوله: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني" (١).

وقال القاضي: إنما أنكر - عليه السلام - نسيت المضافة إليه، وهو قد نهى عن هذا بقوله: "بئسما لأحدكم أن يقول نسيت كذا، ولكنه نُسَّي" (٢) وقد قال أيضًا: "لا أُنَسَّى" على النفي ولكن أنسى" (٣).

وقد شك بعض الرواة في روايته فقال: "أنس، أو أنسَّي" وأن "أو" للشك أو للتقسيم، وأن هذا يكون منه مرة من قبل شغله، ومرة يُغلب ويجبر عليه؛ فلما سأله السائل بذلك أنكره وقال: "كل ذلك لم يكن" وفي الأخرى "لم أنس ولم تقصر" أما القصر فبين، وكذلك "لم أنس" حقيقة من قبل نفسي ولكن الله أنساني، ويمكن أن يجاب عما قاله القاضي: أن النهي في الحديث عن إضافة نسيت إلى الآية الكريمة؛ لأنه يفتح للمؤمن أن يضيف إلى نفسه نسيان كلام الله تعالى، ولا يلزم من هذا النهي الخاص النهي عن إضافته إلى كل شيء؛ فافهم.

وذكر بعضهم أن العصمة ثابتة في الإخبار عن الله تعالى، وأما إخباره عن الأمور الوجودية فيجوز فيها النسيان.

قلت: تحقيق الكلام في هذا المقام أن قوله: "لم أنس ولم تقصر الصلاة" مثل قوله: "كل ذلك لم يكن" والمعنى: كل من القصر والنسيان لم يكن، فيكون في معنى: لاشيء منهما بكائن، عك شمول النفي وعمومه لوجهين:

أحدهما: أن السؤال عن أحد الأمرين بـ"أم" يكون لطلب التعيين بعد ثبوت أحدهما عند المتكلم لا على التعيين، فجوابه إما بالتعيين أو بنفيهما جميعًا تخطئة


(١) متفق عليه من حديث ابن مسعود، فأخرجه البخاري (١/ ١٥٦ رقم ٣٩٢)، ومسلم (١/ ٤٠٠ رقم ٥٧٢).
(٢) متفق عليه من حديث ابن مسعود أيضًا، فأخرجه (٤/ ١٩٢١ رقم ٤٧٤٤)، ومسلم (١/ ٥٤٤ رقم ٧٩٠).
(٣) أخرجه مالك في "موطأه" (١/ ١٠٠ رقم ٢٢٥) بلفظ: "إني لأنسى- أو أنسَّى لأسن".

<<  <  ج: ص:  >  >>