الصحاري. وعن بعضهم: الشفق اسم للحمرة والبياض معًا إلا أنه إنما يطلق في أحمر ليس بقاني، وأبيض ليس بناصع.
ص: وقال آخرون: إذا غاب الشفق -وهو البياض الذي بعد الحمرة- خرج وقتها، وممن قال ذلك: أبو حنيفة - رضي الله عنه -.
ش: أي قال جماعة آخرون، وأراد بهم: عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن المبارك والأوزاعي -في رواية- ومالكًا -في رواية- وزفر بن الهذيل وأبا ثور والمبرد والفراء؛ فإنهم قالوا: لا يخرج وقت المغرب حتى يغيب الشفق الأبيض، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعائشة وأبي هريرة ومعاذ بن جبل وأُبيّ بن كعب وعبد الله بن الزبير - رضي الله عنهم - وإليه ذهب أبو حنيفة.
ص: وكان النظر عندنا في ذلك: أنهم قد أجمعوا أن العمرة التي قبل البياض من وقتها وإنما اختلافهم في البياض الذي بعده، فقال بعضهم: حكمه خلاف حكم العمرة، فنظرنا في ذلك فرأينا الفجر تكون قبله حمرة، ثم يتلوها بياض الفجر، فكانت العمرة والبياض في ذلك وقتًا لصلاة واحدة وهو الفجر، فإذا خرجا خرج وقتها، فالنظر على ذلك: أن يكون البياض والحمرة في المغرب أيضًا وقتًا لصلاة واحدة وحكمهما حكم واحد إذا خرجا خرج وقتا الصلاة اللذان هما وقت لها.
ش: ملخص هذا: أن الشفق يطلق على العمرة والبياض كما قال بعض أهل اللغة، فلا يخرج وقت المغرب إلا بذهاب الحمرة والبياض جميعًا، ودل كلامه أيضًا أنه اختار أن يكون خروج المغرب بذهاب العمرة والبياض جميعًا، قياسًا على حمرة الفجر وبياضه، والله أعلم.
ص: وأما العشاء الآخرة فإن تلك الآثار كلها فيها أن رسول الله - عليه السلام - صلاها في أول يوم بعد ما غاب الشفق إلا جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - فإنه ذكر أنه صلاها قبل أن يغيب الشفق فيحتمل ذلك عندنا -والله أعلم- أن يكون جابر عني الشفق الذي هو البياض، وعني الآخرون الشفق الذي هو الحمرة، فيكون قد صلاها بعد غيبوبة