الثاني: ذكر بعضهم أن فيه دليلًا على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة؛ لأنه - عليه السلام - أحال ذلك على أن يصلي معه، وقال الباجي: ليس هذا من تأخير البيان الذي يتكلم شيوخنا في جواز تأخيره عن وقت الخطاب بالعبادة إلى وقت الحاجة وهو مذهب الباقلاني والجمهور، ومنعه الأبهري وغيره؛ لأن الخطاب هنا بالصلاة وبيان أحكامها قد تقدم قبل هذا السائل، فلم يسأل إلا عما ثبت بيانه وعرف حكمه، ولا خلاف أن للنبي - عليه السلام - أن يؤخر جواب السائل له عن وقت سؤاله وأن لا يجبه أصلًا، وقد فعل ذلك في مسائل كثيرة، ولا خلاف أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولم يتكلم الشيوخ في وجه تأخيره - عليه السلام - مع جواز موته قبل التعليم، فقيل: يحتمل أنه أوحي إليه بأن ذلك لا يكون قبل الإعلام؛ لأن العادة غالبًا في مثل هذا، وظاهر الأمر حياته هذين اليومن، واستصحاب حال السلامة وفيه حجة على الشافعي في جعله وقت المغرب وقتًا واحدًا ضيقًا مقدار ما يسع فيه أداء ثلاث ركعات؛ لأنه - عليه السلام - صلى المغرب في اليوم الأول حين غابت الشمس، ثم صلاها في اليوم الثاني قبل أن تغيب فالوقت من غروب الشمس إلى غروب الشفق وقت مديد يسع فيه صلوات كثيرة.
ثم اعلم أن الطحاوي أخرج أحاديث هذا الباب عن ستة من الصحابة وهم: ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر بن عبد اللهَ وأبو موسى الأشعري وبريدة ابن الحُصَيْب - رضي الله عنهم -.
ولما أخرج الترمذي حديث ابن عباس قال: وفي الباب عن أبي هريرة وبريدة وأبي موسى وأبي مسعود الأنصاري وأبي سعيد وجابر وعمرو بن حزم والبراء وأنس.