فكتبت إليه تستزيره، فكتب إليها:
لَوْلاَ مَخَافَةُ بِشْرٍ أَوْ عُقُوبَتُهُ ... أَوْ أَنْ يَشُدَّ عَلَى كَفِّيَ مِسْمَارُ
إِذاً لعطلتُ ثَغري ثم زُرْتُكُمُ ... إِنَّ المحبَّ إِذَا ما اشتاقَ زَوَّارُ
فكتبت إليه:
لَيْسَ المحبَّ الذي يخشَى العقابَ وَلَوْ ... كَانَتْ عُقُوبَتَهُ فِي إِلْفِهِ النَّارُ
بَلِ المُحِبُّ الَّذِي لاَ شَيءَ ينفعُهُ ... أَوْ يَسْتَقِرُّ وَمَنْ يَهْوَى بِهِ الدَّارُ
قال: فلما قرأ كتابها، عطَّلَ ثغره، وانصرف إليها، وهو يقول:
أستغفرُ اللهَ إِذ خفتُ الأمير وَلَمْ ... أَخْشَ الذي أنا فيه غيرُ مُنْتَصِرِ
فشأنُ بِشْرٍ بِلَحْمِي فَلْيُعَذِّبُهُ ... أو يَعفُ عَفْوَ أمير خيرِ مقتدرِ
فَمَا أُبَالِي إِذا أَمسيتِ راضيةً ... يا هندُ مانِيلَ من شَعرِي وَمِنْ بَشَرِي
ثم قدم (البصرة)؛ فما أقام إلا يومين، حتى وشي به واش إلى بشر. فقال: علي به، فأتيَ به فقال:
يافاسق، عطلت ثغرك! هلموا الكرسيَّ. فقال: أعز الله الأمير إن لي عذراً، فقال: وما عذرك؟ فأنشد
الأبيات، فرق له وكتب إلى المُهَلَّب، فأثبته في أصحابه.
وحكى أبو العباس أحمد بن عبد ربه في كتاب (العقد). قال: قال رجل من الأدباء: لقد جلت في
مشارق الأرض، ومغاربها، حتى وصلت إلى حقائقها، فوجدت الإنسان إنما فضل الحيوان بالنطق
المعبر عن النفس، المخبر بما يَهْجُسُ في الحس، ويتصور في الضمير. ورأيت اللسان خادم الجنان،
بتصرفه يتصرف،