على سفَرٍ لا زادَ فيه سوى التُّقى ... ولا ظَاعِنُ الأقْوام عنهُ يؤوبُ
أخي سَلَبَتْنيه الخُطُوبُ مُشيحَةً ... وما الدَّهْرُ إلا سالِبٌ وسَليبُ
وكنتُ أرَجِّي أنْ تزيدَ حَيَاتَهُ ... حياتي، فَشَانَتْها عليَّ شَعُوبُ
وكُنتُ أرجيه لكُلِّ مُلِمَّةٍ ... فقالَ الرّدى إنَّ الرَّجاءَ كَذُوبُ
وكانَ سريعاً حينَ يُدْعى إلى النَّدى ... وكمْ منْ فتىً يُدْعى وليسَ يُجيبُ
وكان حَياً في المَحْلِ يعْلَمُ ضيفُهُ ... إذا أمَّهُ أنَّ المحلَّ خصيبُ
وكانَ أخا حِلْمٍ يزينك شاهداً ... وتَأمنُ منهُ الغيبَ حين يغيبُ
ولمْ يكُ ذا عيبٍ ولا كان عائباً ... ولكنْ نقيُّ اللِّبْسَتَيْن أديبُ
فتًى هُوَ حدُّ السيْفِ إنْ رُمْتَ ضيْمَهُ ... وغُصْنٌ لمَنْ رام السَّماحَ رطيب
غَنيٌّ عن الأقوامِ ليسَ بباسط ... يداً لثوابِ وَهْوَ كانَ يُثيبُ
جميلٌ فأمَّا وجْهُهُ فمُنَوَّرٌ ... طليقٌ وأمَّا صدْرُهُ فرحيب
رُزِيناه لَمَّا لمْ يكُنْ فيه مَطْعنٌ ... ولمْ يكُ راجي الخير منهُ يخيبُ
وألْوى به المِقْدارُ غضّاً شَبابُهُ ... تميلُ إليه أعْيُنٌ وقلُوبُ
فَضاعَفَ وجْدي واسْتَحَرّ مُصَابُهُ ... وولَّى عزائي عنهُ وهو مريبُ
وليسَ كمَفْقودٍ تقادَمَ عهْدُه ... وغطَّى عليهِ مسحقٌ ومشيبُ
أقولُ، وقدْ غنَّتْ حمامةُ أَيْكَةٍ ... ومالَ بِها بينَ الأراك قضيبُ
أساجِعةَ الأغصانِ نوحاً، فإنني ... على النَّوْحِ منْ بينِ اللُّحُونِ طرُوبُ
سُقيتُ حُمَيَّا الشّوقِ، فالهَمُّ سُكْرُهَا ... وأكثرُ ما ألْهى المَشُوقَ نحيبُ