ألَم تُخْبِرا عنْ صاحِبِ القَبْرِ إنّه ... بِمَرْأى منَ الأهلينَ وهو غريبٌ
تَنَاذَرَهُ الخِلاَّنُ يأْساً فأصْبحوا ... لهم جيئةٌ منْ حَوْلِه وذهُوبُ
وأيُّ نوىً أنْأى منَ القبْرِ شُقَّةً ... وأيُّ بَقاء بالممَات يطيبُ
على الجدثِ المَهْجُور عُوجاَ فسلِّما ... سقاهُ الحَيا الوَسْمِيُّ حينَ يَصُوبُ
وإلاّ فَعَيْني، إنْ أبى الغَيْثُ، مُزْنَةٌ ... يدِرّ شمالٌ صوبها وجَنُوب
إذا هاجَها ذِكْرُ الأحِبَّة أجْهشَتْ ... وأسْبلَ دَمْعٌ بالدِّماءِ مَشوبُ
تَأَوّبَني هَمّي فَبتُّ كَأنَّني ... على مُسْتَقِلاَّتِ النُّجُومِ رقيبُ
كأنَّ اطَّلاَعَ الشُّهْبِ بينَ محَاجِري ... فَمِنْ ناظري تَبْدو، وفيه تغيبُ
كأنَّ الدُّجى، والشُّهْبَ هَمِي ونارَهُ ... إذا شبَّ منْها في الضلوعِ، لَهيبُ
تقطَّعُ أنْفاسي فأقْطَعُ لَيْلَتي ... حَنيناً، كما حنَّتْ روائِمُ نيبُ
أقولُ ونفْسِي والأسى قدْ تَمازَجا ... وقَلْبيَ منْ حَر الفِراقِ يذوبُ
أَلاَ مَثَلٌ لي إنَّه لِيَ مُعْجِزٌ ... وإنِّي لأَمثَالِ الوَرََى لَضُرُوبُ
إذا قُلتُ في شيء كأنِّي كُنْتهُ ... وسِرُّ اتِّخَاذِ المُشْبِهينَ عجيبُ
أنا الميْتُ والثَّكْلانُ والصَّبُّ والشَّجِي ... فأيُّ شبيهٍ بَعْدَ ذاكَ أُصيبُ
وما سكَني إلاَّ ضريحٌ كأنَّهُ ... لأنْسي به، ظَبْيٌ أحَمُّ ربيبُ
أعاوِدُ لثْمَ التُّرْبِ فيه كأنَّهُ ... لِرشْفي لهُ، ثَغْرٌ أغر شنيبُ
أقامَ عَلِيٌّ في ثراهُ مُغَيَّبا ... ولِلْبَدْرِ منْ بعدِ الطُّلوع غرُوبُ
بعيداً عنِ الإخْوانِ رهْنَ قرارةٍ ... تَضَوَّعُ منْ أنْفاسِهِ وتَطيبُ