للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأىّ سائل كان ألحف مسألة من الحطيئة وألأم؟ ومن ألأم من جرير ابن الخطفى وأبخل؟ ومن أمنع من كثيّر، وأشحّ من ابن هرمة (١)؟ ومن كان يشقّ غبار ابن أبى حفصة (٢)؟ ومن كان يصطلى بنار أبى العتاهية؟ ومن كأبى نواس فى بخله؟ أو كأبى يعقوب الخزيمى فى دقة نظره وكثرة كسبه؟ ومن كان أكثر نحرا لجزرة (٣) لم تخلق من ابن هرمة؟ وأطعن برمح لم ينبت، وأطعم لطعام لم يزرع، من الخزيمىّ (٤)؟ فأين أنت عن ابن يسير؟ وأين تذهب عن ابن أبى كريمة؟

ولم تقصّر فى ذكر الرّقاشّى، ولم تذكر شرّه؟

إن الأعرابى شرّ من الحاضر (٥)، سائل جبّار، وثّابة ملّاق، إن مدح كذب، وإن هجا كذب، وإن أيس كذب، وإن طبع كذب، لا يعرفه إلا نطف (٦) أو أحمق، ولا يعطيه إلا من يحبّه، ولا يحبه إلا من هو فى طباعه.

ما أبطأكم عن البذل فى الحق، وأسرعكم إلى البذل فى الباطل! فإن كنتم الشعراء تفضّلون، وإلى قولهم ترجعون، فقد قال الشاعر:

قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير على الفساد

وقد قال الشّمّاخ بن ضرار:

لمال المرء يصلحه فيغنى ... مفاقره، أعفّ من القنوع (٧)


(١) هو إبراهيم بن هرمة شاعر عباسى، وكان مولعا بالشراب، ولما ولى المنصور شخص إليه فامتدحه فاستحسن شعره ووصله، وسأله ابن هرمة أن يبيح له الشراب لأنه مغرم به فقال: ويحك هذا حد من حدود الله وما كنت لأعطله، قال: فاحتل لى فيه يا أمير المؤمنين، فكتب إلى عامله بالمدينة:
من أتاك بابن هرمة سكران فاجلده مائة واجلد ابن هرمة ثمانين، فجعل الجلواز إذا مر بابن هرمة سكران قال: من يشترى ثمانين بمائة؟ - انظر ترجمته فى الأغانى ٤: ١٠١، والشعر والشعراء ص ٢٨٩.
(٢) يعنى مروان بن أبى حفصة، وهو شاعر عباسى مشهور.
(٣) الجزرة: الشاة السمينة، وجمعها جزر.
(٤) يقول: إن الشعراء يتخيلون وينسبون إلى أنفسهم كثيرا من أعمال الكرم والشجاعة.
(٥) الحاضر: ساكن الحضر.
(٦) النطف المتهم بريبة.
(٧) المفاقر: قيل جمع فقر على غير قياس، وقيل جمع لا واحد له، والقنوع: السؤال والتذلل.

<<  <  ج: ص:  >  >>