يتأخرون حتى يؤخرهم الله»، ليس فيه "ذكر النار" وكذا رواه احمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي، وعندي أن ذكر النار في الحديث منكر؛ لأن التخلف عن الصفوف المتقدمة ليس من الكبائر حتى يتوعد صاحبها بالنار. نعم لو صحت الرواية لأمكن تأويلها وأما السند إليه ضعيف فقد كُفينا الجواب عنها، على أنه قد روى يزيد بن هارون أنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه تأخرًا:«تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل يوم القيامة»، رواه أحمد في مسند (٣/ ٣٤) عن يزيد به. فهذه الزيادة أصح سندًا من الزيادة المتقدمة، ولكن في السند علة خفية وذلك أن سائر الثقات الذين رووا الحديث عن أبي الأشهب لم يذكروا هذه الزيادة، وقد تابع أبا الأشهب أيضًا الجريري عند مسلم والنسائي وابن خزيمة ولم يذكر هذه الزيادة، فالذي يظهر لي أنها شاذة وعليه فيبقى الحديث على إطلاقه فنبقى على هذا الإطلاق حتى يأتينا حديث صحيح مقيد لا علة فيه فنقول به.
وقد قال النووي رحمه الله: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال قوم يتأخرون» أي عن الصفوف الأول: «حتى يؤخرهم الله»، تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك. وقال أبو عبد الله الأبي في شرح صحيح مسلم (٢/ ١٨٦) قوله: «حتى يؤخرهم الله» قال عياض: أي عن العلم أو عن السبق في المنزلة. وقيل إنه في المنافقين.
قلت: قوله في الحديث «رأى في أصحابه»، يرد هذا الأخير؛ لأن الأصل البقاء على ظاهر اللفظ حتى يأتي ما يخرجه عن هذا الظاهر، والله أعلم. لكن إن أدى هذا التخلف إلى ترك الصلاة بالكلية فهذا يؤخره الله في النار لأنه كافر مرتد عن الإسلام في أصح قولي العلماء اختاره شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز، وكذا اختاره العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والله أعلم.