مراد صاحب (الهداية) وذلك أنه إنما ذكر ما في (الجامع) بعد كلام القدوري ليفيد أن ما في (الجامع) لا استثناء فيه بل كل مسألة اختلف فيها الفقهاء فإنها تصير محل اجتهاد، فإذا قضى قاضٍ بقول ارتفع الخلاف. وأما عبارة القدوري ففيها الاستثناء ورأيت في (الواقعات الحسامية) ما يفيده قال أبو الليث: رواية محمد أن كل شيء اختلف فيه الفقهاء فقضى به قاض جاز ولم يكن لغيره أن يبطله ولم يذكر فيه الاختلاف وبه نأخذ.
قلت: هذا خلاف ما ذكر في شرح (أدب القاضي) للخصاف في موضع الاختلاف يجوز وفي موضع الخلاف لا يجوز، أراد بالأول ما كان فيه خلافًا معتبرًا كالخلاف على تفاصيل (أدب القاضي) انتهى. وإنما يمضيه لأن اجتهاد الثاني كالأول وقد رجح باتصال القضاء به فلا ينقض بما هو دونه كذا قالوا: وفيه بحث لأن اعتقادنا لمذهب الغير أنه خطأ يحتمل الصواب، ومذهبنا أنه صواب يحتمل الخطأ فلا يكون الثاني كالأول عندنا، كذا في (الحواشي السعدية) أي يجب علينا أن نعتقد أن مذهبنا صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غيرها خطأ يحتمل الصواب صرح بذلك في (المستصفى)، ولو قضى في المجتهد فيه مخالفًا لرأيه ناسيًا لمذهبه نفذ عنده، وفي (العامد) روايتان وعندهما لا يفذ في الوجهين لأنه قضى بما هو خطأ عنده وعليه الفتوى، كذا في (الهداية) وفي (الصغرى) الفتوى على قول الإمام.
قال في (الفتح): والوجه في هذا الزمان أنه يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدًا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل، وأما الناس فلأن المقلد ما قلده لا لمذهب غيره وهذا كله في القاضي المجتهد، فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم مذهب أبي حنيفة مثلًا فلا يملك المخالفة فيكون معزولًا بالنسبة إلى هذا الحكم انتهى. وهو ظاهر في كونه عالمًا بالخلاف إنما هو في القاضي المجتهد، وفي (القنية) القاضي المقلد إذا قضى بخلاف مذهب لا ينفذ.
وادعى في (البحر) أن المقلد إذا قضى بمذهب غيره برواية ضعيفة أو بقول ضعيف نفذ، وأقوى ما تمسك به ما في (البزازية) إذا لم يكن/ القاضي مجتهدًا وقضى والنقول على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه وله نقضه كذا عن محمد وقال الثاني: ليس له أن ينقضه انتهى. وما في (الفتح) يجب أن يعول عليه في المذهب، وما في (البزازية) محمول على رواية عنهما إذ قصارى الأمر أن هذا نزل منزلة الناس لمذهبه وقد مر عنها في المجتهد أنه لا ينفذ فالمقلد أولى، وقدمنا في ديباجة كتاب القضاء أن معنى قوله:(وإذا رفع إليه حكم حاكم أمضاه) أي: ألزم