والرسل اتباعا لترتيب الواقع, فإنه سبحانه أرسل الملك بالكتاب إلى
الرسول لا تفضيلا للملك عليهما.
والموجب لدخول الإيمان بها في مفهوم الإيمان الصحيح – مع أن
المقصود بالذات معرفة المبدأ والمعاد – أن الناس تنقسم إلى: فطن ذكي
يرى المعقولات كالمحسوسات, ويدرك الغائبات إدراك المشاهدات
ومنهم الأنبياء صلوات الله عليهم, وإلى من ليس هذا صفتهم, بل الغالب
عليهم متابعة الحس ومشايعة الوهم, والعجز عن التخطي إلى ما وراء
ذلك, وهم أكثر الخلق وعامة الناس.
فإذا: لا بد لهم من معلم يدعوهم إلى الحق, ويذودهم عن الزيغ,
ويكشف لهم الحقائق والمغيبات, ويحل عن عقولهم العقد والشبهات,
وما هو إلا النبي صلوات الله عليه, المبعوث لهذا الأمر, وهو – وإن كان
نافذ البصيرة, مشتعل القريحة, يكاد زيتها يضيء, ولو لم تمسسه نار –
يحتاج إلى نور يظهر له الغائبات إظهار نور الشمس للمشاهدات, وهو
الوحي والكتاب, ولذلك سمي القرآن: نورا.
ثم لا بد لهذا النور من حامل يحمله, وموصل يوصله, وهو
الملك المتوسط بين الله ورسوله, فالمرء لا يصير مؤمنا إلا إذا
تعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما علمه وتحققه بإرشاد الكتاب الواصل غليه
بتوسط الملك, وهو أن له ولجميع ما يشار له في الحدوث والإمكان
صانعا واحدا واجب الوجود وفائض الجود, مقدسا عن سمة
الإمكان ووصمة النقصان.