رواحلهم، وخلّفوا بعضّم فيها، ومضى بعض حتى انتهى إلى ابن عبلة، فقالوا له:
رحمك الله، إن ناقة لنا ضلّت قُبيل، وهي في إبلك فاردُدها علينا. قال: فقال لغلام له انطلق مع القوم،
فادفع إليهم ناقتهم. فانطلق غلام ابن عبلة معهم، فسأل راعيّه عن ناقة القوم، فقال: ما رأيتها. وهذه
الإبل فانظر. قال: فنظر الغلام فلم ير شيئا، فرجع إلى مولاه، ورجع بنو القصاف، فقال لهم ابن
عبلة: ما صنعتم؟ قالوا غيّب راعيك ناقتنا، فقم معنا إليه. فقام معهم ابن عبلة، حتى إذا نحوه عن
الماء، شد عليه رجل من بني القصاف، ثم نادى يا ثأرات مسعود! فقتله وخضب عمامته بدمه. قال:
فغضب بنو حارثة بن لام وقالوا: قتلوا جارنا، ولا تزال العرب تسبنا به إن فاتونا. قال: وطلبوا بني
القصاف، وهم نفير وعلى الماء جماعة من بني حارثة بن لام، قال: فترك بنو القصاف رواحلهم
ومضوا مخضوبة بالدم، حتى أتوا بها بني طهية، فسألوهم عن ركابهم فقالوا: تركناها في أيدي بني
حارثة. فقال الأسلع بن القصاف في ذلك:
فِدىً لامرئ لاقى ابنَ عبلةَ ناقتي ... وراكِبُها والناسُ باقٍ وذاهبُ
عدا ثُمّ أعداهُ على الهَولِ فتيةٌ ... كِرامٌ وأسيافٌ رِقاقٌ قَواضِبُ
ولم يحَفلوا ما أحدثَ الدهرُ بعدها ... وما كشفَ الناسَ الأمورُ الشواعِبُ
ولم نَروَ حتى بَلّ أسيافَنا دَمٌ ... يُداوَى بهِ قَرح القُلوبِ الجَوالِبُ
فما الناسُ أردوهُ ولكنْ أقادَهُ ... يدُ الله والمستنصرُ اللهَ غالِب
شفى سَقماً إنْ كانتِ النفسُ تَشتفي ... قتيلٌ مصابٌ بالشّباكِ وطالِبُ
شفى الدّاء وابيضّتْ وجوهٌ كأنما ... جَلى النفسَ عنها وهيَ سُودٌ كوائِبُ
لعمري لقد ردّتْ عَشيّةُ مثقَب ... غليلاً فساغتْ في الحُلوقِ المشارِبُ
فأبَلغْ بني لامٍ إذا ما لقيتهم ... وما شاهدٌ يُدعى كمن هو غائبُ
فهل أنتمُ إلا أخونا فتحدَبوا ... علينا إذا نابتْ علينا النوائبُ