للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مسيرة ثلاثة أيام للخروج من الخلاف (١)، وما ذكرناه من تفسير الطول معتبر بالتقريب، أو يجوز بالتحديد؟ حكى القاضي الروياني فيه وجهين، وقال: الصحيح أنه تحديد؛ ونقل الحناطي وصاحب "البيان" قولاً أن القصر يجوز؛ في السفر القصير بشرط الخوف؛ لعموم قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} (٢) الآية، فإن ثبت ذلك اقتضى إعلام لفظ (الطويل) عند قوله قبل هذا: (وهو كل سفر طويل مباح) بالواو.

ثم في الفصل مسائل:

إحداها: مسافة الإياب لا تحتسب في الحد المذكور، حتى لو قصد موضعاً على مرحلة على عزم أن يرجع ولا يقيم فيه فليس له القصر، لا ذاهباً ولا جائياً. وإن نالته مشقة السير مرحلتين على التوالي؛ لأنه لا يسمى سفراً طويلاً. والغالب في الرخص الاتباع، وما رويناه من خبر ابن عباس -رضي الله عنهما- ظاهر في أن المعتبر المسافة التي يقطعها من منشأ سفره إلى مقصده؛ وحكى الحناطي وجهاً؛ أنه إذا كان الذهاب والرجوع حد السفر الذي يقصر إليه الصَّلاة قصر، فيجوز أن يعلم قوله: (لا يحتسب) بالواو لذلك.


(١) قال صاحب الهداية: "السفر الذي يتغير به الأحكام أن يقصد الإنسان مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشى الأقدام وقد رأبوا يوسف رحمه بيومين وأكثر اليوم الثالث. انظر فتح الغدير (٢/ ٤٠٣) وشرح المهذب (٤/ ٣٢٥). قال النووي والمسافة في البحر مثل المسافة في البر وإن قطعها في لحظة فإن شك فيها اجتهد. قال الأذرعي: الذي نص عليه الشافعي في الأم أنه إذا شك في المسافة لم يجز القصر وهو القياس الظاهر، وقول الشيخ من شرح المهذب أن النص محمول على من لم يظهر له شيء فيه نظر، وقد يقال يبنى ذلك على أن هذه المسافة تحديد أم لا؟ إن قلنا: تحديد فلا أو تقريب فنعم ووجهه ظاهر ثم نقل عن ابن كج. قال الشافعي: سواء سافر في برٍ أو بحرٍ أو نهر أو سهل أو جبال ليس له القصر إلا مدة يقصر إلى مثلها الصلاة فإن كان في بحر قد ذلك حرم حتى يعلم أن سفره يبلغ ما يقصر فيه الصلاة، فإذا شك هل يبلغ ذلك أم لا؟ لم يكن له القصر. هذا لفظة ويحتمل أن يريد بالشك التردد على السواء ويحتمل أن يريد أعم من ذلك ويؤيده قوله حتى يعلم. قال الزركشي: ولك أولاً أن تسأل عن صورة الشك، فإنه إن كان في ابتداء السفر لم يجز له اقصر إذ لا بد من ربط قصده بمعلوم المسافة. والجواب تصوره بما لو سافر وقطع أكثر المسافة وغلب على ظنه أن المسافة التي قطعها مسافة القصر فإنه يجوز له القصر بالاجتهاد، وفي الانتهاء لأن اعتماده هنا على ما قطع به من المسافة فيجوز كما يجتهد في أوقات الصلاة بالأوراد إذا عملت هذا فيجب حمل نص الشافعي على ما إذا سافر وشك في الموضع الذي يقصده مسافة القصر أم لا وليس له أن يقصر ابتداء أما لو سافر وقطع أكثر المسافة وغلب على ظنه أنه قطعها فهاهنا يجتهد وعليه يحمل كلام الأصحاب ولا تعارض ولا اختلاف فظهر بذلك ضعف حمل النووي النص على المتحير. انتهى. خ ل.
(٢) سورة النساء، الآية ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>