للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز أن يجعل الإِمام نصب القاضي إلى والي الإِقليم، وأمين البلدة، وإن لم يكن المجعول إليه صالحاً للقضاء؛ لأنه سفير محقق، وكذا لو فرض إلى رجل من عُرْض الناس اختيار قاض، وليس له أن يختار والدَهُ ووَلَدَهُ، كما لا يختار نفسه، ولو قال لأهل بَلْدَةٍ: اختاروا رجلاً منكم، وقلَّدوه القضاء؟ حكى القاضي ابن كج فيه وجهين.

أشبههما: الجواز، ولا بدّ في التولية من تعيين محِّل ولايته من بلدةٍ أو قريةٍ أو ناحيةٍ؛ ولا بدّ من تعيين المُوَلَّى، فلو قال وَلَّيْتُ أحد هذين، أو من رغب في القضاء ببلدة كذا من علمائها, لم يجز، ولو قال: فوضت إلى فلان وفلان، فهذا نصب قاضيين.

وفي كتاب "الأحكام السلطانية" للقاضي الماوَرْدِيِّ -رحمه الله- أن تولية القضاء تنعقد بما ينعقد به الوكالة، وهو المشافهة باللفظ، والمراسلة، والمكاتبة عند الغيبة، ويجيء في المراسلة والمكاتبة خلاف كما مرَّ في الوكالة، وإن كان الظاهر ما ذكره، وفيه أن صريح اللفظ قوله: وليتك، واستخلفتك، واسْتَنَبْتُكَ، ولم يذكر التفويض بصيغة الأمر، بأن يقول: اقضِ بين الناس، أو احكم ببلدة كذا. وهو ملحق بالصريح كما في الوكالة، وفيه أن الكنايات اعتمدت عليك في القضاء، أو عولت عليك أو رَدَدتُّه إليك, أو فُوَّضْتُ، أو وكَّلت، أو أسنِدت، فينبغي أن يقترن بها ما يلحقها بالصريح، ولا يكاد يتضح فرق بين أن يقول: وليتك القضاء، وبين أن يقول: فوضته إليك (١) وفيه أن عند المشافهة يُعْتَبَرُ القَبُول على الفور، وفي المراسلة والمكاتبة: لا يُعْتَبَرُ الفَوْر، كما سبق في الوكالة، خلاف في أنه هل يُشتَرط القبول؟ وذكرنا أنه إن كان شرطاً، فالأظهر أنه لا يُعتبَر فيه الفور، فليكن كذلك هاهنا.

ويجوز تعميم التولية وتخصيصها، إما في الأشخاص، بأن يوليه القضاء بين سُكَّان محله أو قبيلةٍ أو في خصومات شخصين معينين، وكذا لو ولاَّه القضاء بين من يرده في داره، أو مسجده من الخصوم، وإما في الحوادث، بأن يوليه في الأنكحة دون الأموال، أو في قدر معيَّن من المال، وإمَّا في طرف الحكم؛ بأن يوليه القضاء بالإقرار دون البينة، وإما في الأمكنة، وهو ظاهر، وإما في الأزمان؛ بأن يوليه سنةً أو يوماً معيناً أو يوماً سماه من كل أسبوع، وذكر القاضي ابن كج وجهاً: أنه إذا قال: قَلَّدتُّك سنةً، بطَلَتِ التَّوْلِيَّةُ، كما في الإِمامة، والظاهر الأول تشبيهاً بالوكالة، ولو كان كالإِمامة، لما جاز سائر التخصيصات.

ومن ولى القضاء مطلقاً، استفاد بالتولية المطْلَقَةِ سَمَاعَ البَيِّنَة والتحليف، وفصل


(١) قال النووي: الفرق واضح فإن قوله: وليتك متعين لجعله قاضياً، وفوضت إليك محتمل أن يراد توكيله في نصب قاضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>