والمراد النهي عن السفر إلى غيرها. قال الطيبي: هو أبلغ من صريح النهي كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به، والرحال جمع رحل وهو للبعير، كالسرج للفرس، وكنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر. وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور. واختلف في شد الرحال إلى غير هذه المساجد، كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياءً أو أمواتاً وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها. فقال الشيخ الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملاً بظاهر الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقاله له "لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت"، واستدل بهذا الحديث. فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرة. والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم. وأجابوا عن الحديث بأجوبة: منها: أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها، جائز، وقد وقع في رواية لأحمد بلفظ "لا ينبغي للمطي أن تعمل" وهو بلفظ ظاهر في غير التحريم. ومنها: أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة، لا يجب الوفاء به قال ابن بطال. ومنها: أن المراد حكم المساجد فقط وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غيره الثلاثة. وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب أو طالب علم أو تجارة أو نزهة يدخل في النهي وغير ذلك مما ذكره الحافظ في (الفتح ٣/ ٧٧ - ٧٩) تابع حديث (١١٨٩). (٢) تقدم.