للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفَ مِنْ أَهلِ ذَلِكَ المَوْضِعِ، وَفِي غَيْرِ أَهْلِ ذَلِكَ المَوْضِعِ وَجْهَانِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى البَيْضِ لَمْ يَحْنِثَ بِبَيْضِ السَّمَكِ وَالعُصْفُورِ، وَيحْنَثُ بِبَيْضِ النَّعَامِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الخَبْزِ لَمْ يَحْنَثْ بِخُبْزِ الأُرْزِ إِلاَّ بَطَبَرِسْتَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الثالثة: إذا حَلَف لا يأكل الرأس أو الرؤوس أو لا يَشْترَيِها، حُمِلَتِ اليمينُ على التي تُميَّز عن الأبدان وتشوى وتباع بانفرادها، وهي رؤوس الإِبل والبقر والغنم، وقال أبو حنيفة في رواية: لا يحنث برؤوس الإِبل، ورواه شارح "مختصر الجويني" قولاً لابن سُرَيْجٍ، واحتج الأصحاب -رحمهم الله- بأن أهل البادية الذين يعتادون أكل لحوم الإِبل، يفردون رؤوسهما أيضاً، وذكروا: أن ذلك يُعتَاد بالحجاز، وفي "أمالي" أبي الفرج السرخسي: أن ابن أبي هريرة ذهب إلى أنه لا يحنث إلا بأكل رؤوس الغنم.

وفي "الرَّقْم" للعبَّادِّي: في البلد الذي لا يُبَاعُ فيه إلا رؤوس الغنم، لا يحنث إلا بها، والظاهر الأول، وعن القفال: أنه لو قال بالفارسية (سربريان بخورم) (١) يحنث إلا برؤوس الغنم، ولا يكاد يتضح هذا، وإن أكل رأس طير، أو حوت أو ظبي أو صيد آخَرَ، لم يحنث؛ لأنها لا تُباَعُ مفردة، ولا يُفهَم من اللفظ عند الإِطلاق.

وفيه قول عن رواية صاحب "التقريب" والمذهب الأول، نعم، لو كان يُبَاعُ رؤوس الحيتان أو الصيود مفردةً في بلد، حصل الحنث بأكلها هناك، وفي غيرها من البلاد وجهان:

في وجه: لا يحنث؛ لأن أهلها يعتادون أكلها، وبيعها مفردةً ولا يفهمونها عند الإِطلاق، ووُجِّه الثاني، بأَنَّ ما ثبت به العرف في موضع، ثبت في سائر المواضع؛ كما مر في مسألة خبز الأرز، وأيضاً: فالاسم شاملٌ، والعرف مختلف، والأول أرجح عند الشيخ أبي حامد والرويانيِّ.

والثاني: أقوى، وأقرب إلى ظاهر النص ويؤيده: أن رأس الإِبل لا يُعْتاد بيعه وأكله إلا في بعض المواضع والحنث يحصل به.

وذكر الشيخ أبو الفرج وجْهَيْنِ في أن الناحية التي ثبت فيها العرف، يعتبر نفس تلك الناحية، أو كون الحالف من أهل تلك الناحية؟ هذا عند الإِطلاق، قال في "التتمة": فإن كان مقصوده أَلاَّ يأكل ما يسمى رأساً، حَنِثَ بأكل رأس السمك والطير وغيرهما، وإن كان مقصوده نوعًا خاصاً، لم يحنث بأكل غيره.


(١) جملة فارسية معناها: آكل رأس غنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>