للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليَّ كذا، وإن سَبَقْتُكَ، فلِي عَلَيْكَ كذا، فهذا لا يجوز؛ لأنه على صورة القِمَار، إلا أن يُدْخِلا بينهما محلِّلاً، وهو أن يشاركهما في المسابقة ثالثٌ، على أنه، إن سبق أخذ ما شرطاه والتزماه، وإن سُبِق، لم يغرم شيئاً، فيميل العقد بذلك عن صورة القِمَار، وقد رُوِيَ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَدْخَلَ فَرَساً بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فَهُوَ قِمَارُ وإِنْ لَمْ يَؤمنْ أَن يَسْبقَ، فَلَيْسَ بِقِمَارِ" (١) واحتج الأصحاب به، فقالوا: إذا علم أن الثالث لا يسبق، فهو قمار، فإذا لم يكن معهما ثالثٌ، فهو أولَى بأن يكون قماراً، ثم إن كان الشرط أن يختص المحلِّل بالاستحقاق، إن سبق، وكلُّ واحد منهما لا يأخذ، فهذا جائز بالاتفاق، وإن شرطوا أن المحلِّل يأخذ السبقَيْن، إن سبق، وأن كل واحد منهما إن سبق، أخذ ما أخرجه وأخذ ما أخرجه الآخر، ففي جواز المعاملة على هذا الوجه قولان، هكذا أطلق الإِمام وصاحبُ الكتاب، وقال الصيدلانيُّ وجهان، وقال الأكثرون:، منصوص الشافعيِّ -رضي الله عنه- ومذهبه الجواز، وقال ابنُ خيران: لا يجوز، ثم وجَّه المنع بأنَّ كل واحد من المتسابقين قد يغنم وقد يغرم، لو جوَّزناه، وذلك قمار، وظاهر المذهب أن التسابق يجري بين المتكافئين المتقاربين، ولا يكاد يسمح أحدهما بأن يخرج المال دون أن يخرج الثاني، لكن، إذا لم يكن محلِّل، كانت المعاملة على صورة القِمار، فلو لم نجوِّز ذلك بعد


(١) رواه أحمد [٢/ ٥٠٥] وأبو داود [٢٥٧٩ - ٢٥٨٠] وابن ماجه [٢٨٧٦] والحاكم [٢/ ١١٤] والبيهقي [١٠/ ٢٠] وابن حزم وصححه، من حديث أبي هريرة، قال الطبراني [٤٧٠] رواه الدارقطني [٤/ ٣٠٥] في الصغير: تفرد به سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب، وتفرد به الوليد، وتفرد به عنه هشام بن خالد، قلت: رواه أبو داود عن محمود بن خالد عن الوليد، لكنه أبدل قتادة بالزهري، ورواه أبو داود وباقي من ذكر قبل، من طريق سفيان بن حسين عن الزهرى، وسفيان هذا ضعيف في الزهري، وقد رواه معمر وشعيب وعقيل عن الزهري، عن رجال من أهل العلم قاله أبو داود، قال: وهذا أصح عندنا، وقال أبو حاتم: أحسن أحواله أن يكون موقوفاً على سعيد بن المسيب، فقد رواه يحيي بن سعيد عن سعيد قوله انتهى، وكذا هو في الموطأ عن الزهرى عن سعيد قوله، وقال ابن أبي خيثمة سألت ابن معين عنه، فقال: هذا باطل، وضرب على أبي هريرة وقد غلط الشافعي، سفيان بن حسين في روايته عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، حديث الرجل جبار، وهو بهذا الإِسناد أيضًا.
(تنبيه) وقع في الحلية لأبي نعيم من حديث الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن الزهري وقوله ابن عبد العزيز خطأ قاله الدارقطني، والصواب سعيد بن بشير كما عند الطبراني والحاكم، وحكى الدارقطني في العلل: أن عبيد بن شريك رواه عن هشام بن عمار عن الوليد عن سعيد بن بشير، عن قتادة من ابن المسيب عن أبي هريرة، وهو وهم أيضاً، فقد رواه أصحاب هشام عنه عن الوليد عن سعيد عن الزهرى، قلت: وقد رواه عبدان عن هشام مثل ما قال عبيد أخرجه ابن عدي عنه، وقال: إنه غلط فتبين بهذا أن الغلط فيه من هشام، وذلك أنه تغير حفظه في الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>