للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الوجوبِ: إمكان الوقوفِ على نسبه المقْطُوع إلى الجُمْلةِ، وصَوَّر الشَّيْخ أبو حامِدٍ ذلك فيما إذا كاَن عَلَى رأسِ كلِّ واحدٍ من الشاجِّ والمشجوج موضِّحَةٌ قريبةٌ من موضع الشجة، فيُنْظر في موضِّحة المشجوج ونقيس بها الشجة التي نريد القصاصَ فيها، أهِيَ نصفها أو ثلثها، فإذا عَرَفْنا ذلك نَظَرْنا في موضِّحَةِ الشاجِّ، واستوفَيْنا مثْل نصْفها أو ثلثها.

قال الإِمام: ويمكِنْ ذلك إذا كانت الموضِّحتان طريَّتَيْنِ أما إذا عتقتا وأخذنا في الالتأم، لم يتأتَّ الضبط، ثم اختلف المثبتون للقولَيْن؛ فخصَّص أكثرهم قول الوجوب بالتصوير الذي صوَّره أبو حامد، ولم يذكروا فيما إذا لم يُمْكِن الضبط؛ أنه يقتص في القَدْر المستيقَنِ، كما قالوا: إنه يعتبر أَرْش ما دون الموضِّحة من الشجاج بالموضِّحة، ويُقدَّر بها إذا كانت هناك موضِّحة، وعند الشكِّ، يجب القدْر المستيقَنُ وذكر الإِمام في القصاص مثل ذلك، فقال: إذا لم يُمْكِن معرفة النسبة أجرَيْنا القصاصَ في القدْر المستيقَنِ، وكفَفْنا عن محلِّ الإشكال، وهذا ذَهَاب إلى تعميم القولَيْن، وقد حكاه أبو بكر الطوسيُّ عن بعض الأصحاب، ثم الأظْهَر من القولَيْن عند الأكثرين أنَّه لا قصاص، وعن اختيار القفَّال والشيخ أبي محمَّد وجوبُه عند الإمكان.

والطريق الثاني: امتنع كثير من الأصحاب من إثبات القولَيْن ثم تحزَّبوا، فقطعَ قاطِعُونَ بأنَّه لا يجبُ القصاص ونَسَبُوا المزنيَّ إلى السَّهْو، وعن الماسرجسي أنه كان الشافعيَّ -رضي الله عنه- يُعَلِّق القول في المسألة، ويقول بوجوب القصاص، إن أمكن، ثم بأن له أنه لا إمكانَ، فقَطَع القول بالمنع، وفيما علِّق عن أبي بكر الطوسيِّ أن بعض الأصحاب ترك النصَّيْن على حالَتَي الإمكان وعدمه والخلافُ المذكورُ في الباضعة والمتلاحمة جَارٍ في السِّمْحَاق، وكذلك ذكره الإِمام والقاضي الرويانيُّ وغيرهما، ولِجَازِم أن يجزمَ بالوجُوب، إن كانَتِ الجلدة بين اللحم والعَظْم المسمَّاة بالسِّمْحَاق متميزةّ، يَقِفُ أهل الخبرة عليها، ويمكن إنهاء القطع إليها بلا مجاوزةٍ كما في الموضِّحة، وحكى الإِمام في الحَارِصَةِ القَطْع (١) بأنه لا قصاص؛ لأنه لا وقع لها، ولا يفُوتُ بها شيْء، وأن الشيخ أبا محمَّد تردَّد في الدامية، وأن مَيْل القفَّال إلى تنزيلها منزِلةَ الحارصة، وفي وجوب القصاص يُقْطَعُ بعض المارن والأذن من غير إبانة، اختلافُه قول رُتِّب على الخلاف في الباضعة والمتلاحمة، والظاهرُ الوجوبُ، لإحاطة الهواء بهما وإمكان الاطلاع عليهما من الجانبيْن، ويُقدَّر المقطوعُ بالجزئية كالثلُث والنصْف، ويستوفَى من الجاني مثلُه، ولا يُنْظر إلى مساحة المقطوع، وقد تختلِف الأذنان صغراً وكبراً، ولو قطع بعْضَ الكُوع أو مفْصَل الساق والقَدَم، ولم يبين، فقد حُكِيَ فيه قولان


(١) وكذلك صرح في دقائق المنهاج فقال: لا قصاص فيها قطعاً وإنما الخلاف في غيرها. وهذا شيء حكاه الرافعي عن جزم الإِمام وجرى عليه في الشرح الصغير لكن الخلاف ثابت.

<<  <  ج: ص:  >  >>