للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جملته، واليد الشلاء ليست نصفاً من صاحبها بخلاف اليد السليمة، فلِذَلك لم نقطع السليمةَ بها. وقوله: "وإنما تفارق النفس في أمرين" لمّا تبين أن قصاص النفْس والطرَفِ لا يفترقان في اشتراط التَّسَاوِي في البَدَل، ولا في استيفاء العَدَد بالواحِد، أراد أن يبِّين ما يفترقان فيه، فذكر أنهما يفترقان في أمرَيْن.

أحدهما: أن قصاص النفْس يجبُ بسراية الجراحات، وفي الأجسام خلافٌ، وهذا معادٌ على القُرْب، ونشرحُه هناك، ويجوز أن يُعْلَم قوله: "وفيه تخريج" بالواو؛ لما سيأتي وقوله: "كالروح" بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة: لا يجب القصاص بالسِّرَاية في الأجسام، كما هو النص.

والثاني: أن الجنايَة على ما دُونَ النَّفْس ينبغي أن تكون قابيلة للضَّبْط؛ ليمكن استيفاء مثله بلا زيادة ولا نقصان، فإن الروح مستبقاة، فلا بُدَّ من الاحتياط، ولك أن تقول قصاص النفْس والطَّرَف لا يفترقان في اشتراط ضبْط الجناية، لكن الجناية على النفْس مضبوطةٌ في نفْسها، والجناية على الأعضاء والأطْراف قدْ ينضبط، وقد [لا تنضبط و] (١) ذَكَر في "التهذيب" بدل الأمر الثاني شيئاً آخر؛ وهو أن محل الجناية لا يُراعَى في النفْس حتى لو قطع طَرَفَ إنسان، فمات، كان للوليِّ أن يحز رقبته، وفي الطرف يراعَى المَحَلُّ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالجِنَايَاتُ ثلاَثٌ: جُرْحٌ وَإبَانَةُ طَرَفٍ وَإزَالَةُ مَنْفَعَةٍ أَمَّا الجُرْحُ فَفِي المُوضِّحَةِ الَّتي تُوَضِّحُ العَظْمَ مِنَ الرَّأْسِ أَوِ الجَبْهَةِ أَوِ الخَدِّ أَوْ قَصَبَةِ الأَنْفِ القِصَاصُ، وَلاَ قِصَاصَ فِيمَا بَعْدَهَا مِنَ الهَاشِمَةِ لِلعَظْمِ، أَوِ المُنَقِّلَةِ لَهُ، أَوِ الآمَّةِ البَالِغَةِ إِلَى أُمِّ الرَّأْسِ، أَوِ الدَّامِغَةِ الخَارِقَةِ لِخَرِيطَةِ الدِّمَاغِ، وَلاَ فِيمَا قَبْلَ المُوَضِّحَةِ مِنَ الحَارِصَةِ الَّتِي تَشُقُّ الجِلْدَ، أَوِ الدَّامِيَةِ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ، وَأمَّا البَاضِعَةُ الَّتِي بِخَرْقٍ يَبْضَعُ اللَّحْمَ أَوِ المُتَلاَحِمَةُ الَّتِي تَغُوصُ فِي اللَّحْمِ عُرْضاً بَالِغاً فَقَوْلاَنِ لِأَنَّ الضَّبْطَ مُمْكِنٌ عَلَى عُسْرٍ وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةَ، فَإذَا قَطَعَ نِصْفَ لَحْمِهِ إِلَى العَظْمِ قَطَعْنَا نِصْفَ اللَّحْمِ إِلَى العَظْمِ، فَإِنْ شَقَّ مَارِنَهُ أَوْ أُذُنَهُ فَقُوْلاَنِ مُرَتَّبَانِ وَأَوْلَى بِالوُجُوبِ لِأَنَّ ضَبْطَهُ أَيْسَرُ، وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ كُوعِهِ فَقوْلاَنِ مُرَتَّبَانِ وَأَوْلَى بِأنْ لاَ يَجِبَ لِأنًّ العُرُوقَ وَالأعْصَابَ مُخْتَلِفَةُ الوَضْعِ فِيهِ، وَأمَّا المُوَضِّحَةُ عَلَى الصَّدْرِ وَسَائِرِ البَدَنِ فَلاَ تَتَقَدَّرُ دِيَتُهَا وَلَكِنْ يَجْرِي القِصَاصُ فِيهَا عَلَى أَقْيَس الوَجْهَيْنِ لإمْكانِ الضَّبْطِ.


(١) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>