للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طالقٌ، وقرأ ما كتبه، ونوى، فقد قدَّمنا أنَّه يقع الطلاق، فلَوْ قال: لم أَنْوِ الطلاق، وإنما قصدتُّ قراءة ما كتبته، وحكاية ما فيه، ففي قَبُوله ظاهراً وجهان مشبهان بالوجهين فيما إذا حل الوثاق عنها، فقال: أنْتِ طالقٌ، وقد سبق ذكرهما (١)، وإنَّما يَظْهَر فائدة كلامه هذا، إذا لم نجعل الكتابة صريحةً، أو أنكر اقتران نية الطلاق بالكتابة، أمَّا إذا جعلْنَاها صريحةً، وسلم اقتران النِّيَّة بها، فالطَّلاَق واقِعٌ، ولا معْنَى لقَوْلِهِ: قَصَدتُّ القراءة.

والثانية: إذا أوقعنا الطلاق بالكتابة فَيُنْظَرُ في الصِّيغَة المكتوبة؛ إن كَتَب: أما بَعْدُ، فأنْتِ طالقٌ، وقع الطلاق في الحال؛ وإن ضاع الكتاب قَبْل أن يصل إليها، وإن كتب إذا قرأْتِ كتابي، فأنْتِ طالقٌ، فلا يقع الطلاق في الحال، ولا (٢) إذا بلغها الكتاب، بل عنْدِ القراءة، ثم إنَّ كانَتْ تُحسن القراءة فتُطَلَّق إذا قرأت، قال الإِمام: والمعتبر أن تَطَّلِعَ على ما فيه، ولم يختلف علمائنا -رضي الله عنهم- في أنَّها إذا طالعته وفَهِمَت ما فيه، يقَعُ الطلاق، وإن لم تتلفظ بشيْء وإن قرأ غيرها عليها فوجهان:

أحدهما: أنَّه يقع الطلاق [أيضاً] (٣)؛ لأنها عَرَفَتْ ما فيه، واطَّلَعَت عليه، وهو المقصود.

وأصحهما: وهو الذي أورده في "التهذيب": المنع؛ لأنها أهْلٌ للقراءة ولم يقرأ، فأشبه ما إذا علّق على فعل آخر من أفعالها, وإن كانَتْ لا تُحْسِن القراءة؛ وقع الطلاق إذا قرأه عليها غيْرُها؛ لأن القراءة حقِّ الأُمِّيِّ محمولةٌ على الوقوف والاطِّلاع.

وفيه وجه ضعيف: أنه لا يقع، ومن ذَهَب إليه جعل تعليق الطلاق بقراءة الأُميّة، كالتعليق بالأمور الممتنعة، مثْل صعود السماء وغيْره، ولو كان الزوج لا يعرف أنَّها قارئة، أو أمِّيَّة فيَجُوز أن يقال: ينعقد التعليقُ على قراءتها بنفسها؛ نظراً إلى حقيقة اللَّفْظ، ويجوز أن يقال: ينعقد على الفَهْم والاطلاع؛ لأنَّه القَدْر المشترك، والأصل في الناس ألاَّ يحسنوا القراءة، والأول أقْرب، وإن كتب: إذا أتاك أو بَلَغَكِ أو وصل إليك كتابي، فأنْت طالقٌ، فلا يقع الطلاق قَبْل أن، يأتيها، فإن ضاع ولم يبْلُغها، [لم يقع] وانمحاء المكتوب كضياع الجرم حتى لو بلغها القرطاس وقد انمحى جميع ما كتب عليه بالوقوع في حاء وغيره وانمحى بحيث لا يمكن القراءة، [لم تطلق] وإن بقي أثر، وأمكنت القراءة فهُوَ كما لو وَصَل والمكتوب بحاله، وإن وصَل إليها بَعْض الكتاب دون بعض، فَحُزِمَ الكتابُ أربعة أقْسَامٍ:

أحدهما: موضع الطلاق، فإن كان هو الضائع، أو انمحى المكْتُوب فيه، ووصل الباقي فوجهان:


(١) في ز: ذكرها.
(٢) في ز: وإلا.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>