للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحريم هل يصير يميناً بالنيَّة في غير الزوجات والإِماء في المطاعم والملابس، أو يختص ذلك بالأَبضاع (١).

وإن أطْلَقَ قوله: أنْتِ عليَّ حرامٌ ولم ينوِ شيئاً، ففيه قولان منسوبان إِلى "الإِملاء"؛ لأنه ذكَرَ هناك أن فيه كفارة يمينٍ، ثم قال: ولو قال قائل: إِنه لا شيء فيه كان مذْهباً.

وأصح القولَيْن: أنَّه تجب الكفَّارة وقوله: أنتِ عليَّ حرامٌ صريح في التزام الكفَّارة؛ لِمَا رُوِيَ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- حَرَّمَ مارية على نَفْسِه، فنَزَل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله} [التحريم: ١] فأمر رسول الله -كل من حرم على نَفْسِه ما كان حلالاً له أن يُعْتِقَ رقَبَة، أو يطعم عَشَرة مساكين، أو يَكْسُوَهمْ.

والثاني: أنَّه لا شيء عليه، وهذا اللفظ كنايةٌ في الكفَّارة (٢)؛ لأنه لو إن صريحاً في التزام الكفَّارة، لكان لا يصير كنايةً في الطلاق والظهار؛ لِمَا مرَّ أن اللفظ إذا وَجَد نفاذاً في موضوعه لا ينْصَرف بالنية إلى غيره، والناصرون للقول الأول اعتذروا عن هذا الالتزام من وجهين:

أحدهما: ما سبق في أول "كتاب الخُلْع".

والثَّاني: قال الشيخ أبو عليٍّ: الحرام وإن كان صريحاً في التزام الكفَّارة، فليس على طريق القَطْع؛ بل يَحْتَمِل الطَّلاق وغيره؛ لأنه مجْتَهَد فيه.

وذهب أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه- وعائشةُ -رضي الله عنها- إلى أنَّه يمين وكفَّارته كفارة يمين وعمر -رضي الله عنه- إلى أنه صريح في طلقة رجعيَّة، وعثمان -رضي الله عنه- إلى أنَّه ظهار، وعليٌّ -رضي الله عنه- إلى أنَّه صريح في الطلقات الثلاث وبه قال زيد، وأبو هريرة -رضي الله عنهما- وذهب ابن مَسْعُود -رضي الله عنه- إلى أنَّه ليس بيمين، وفيه كفارةُ يمينٍ، كما هو أصحُّ قولي الشَّافعي في الطلاق [و] (٣) إنَّما يجعل الصريح في بابه على القَطْع كنايةً عن غيره؛ كالطلاق والظهار الصريحين في بابهما.

واعْلَمْ أن التفصيل الذي سقناه يستمرُّ فيمن قال: أنْت عليَّ حرامٌ في البلاد التي لم يشتهر فيها لفْظ الحرام في الطلاق، وفيمن قاله في البلاد الَّتي اشتهر فيها بالطلاق إذا فرَّعنا على أن الشيوع والاشتهار لا يلحقه بالصرائح، وأما إذا قُلْنا: إنه يصير صريحاً به،


(١) قال النووي: أصحها يختصّ.
(٢) في ز: والظهار بعد "الكفارة".
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>