للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَرْعٌ: قال الإمام -رحمه الله-: "ولو لم يُوصِ، فادَّعَى ربُّ الوديعة أنه قَصَّر، وقال الورثةُ: لعلَّها تلفت قَبْلَ أنَّ ينسب إلَى التَّقْصِير، فالظاهرُ براءةُ الذِّمة" (١) ثم جميع ما ذكرنا [هـ]، فيما إذا وَجَدَ فرضة الإيداعِ أو الوصيَّة، أما إذا لم يَجِدْ بأن ماتَ فجأةً، أو قتل غيلةً، فلا ضمان.

الرابعة: إذا مات، ولم يذكر أنَّ عنده وديعةً، لكن وجد في تركته كيس مختوم أو غير مختوم مكتوب عليه أنَّه وديعةُ فلان، أو وجد في جريدتِهِ أنَّ لفلانٍ عندي كذَا وكَذَا، وديعة، لم يجبْ على الوارث التسليمُ، بهذا القَدْر؛ لأنه ربما كتبه هو أو غَيْرُه تلبيساً، وربما اشْتَرَى الكيسَ بَعْدَ تلْك الكتابة، ولم يمحهَا، أو ردَّ الوديعة بَعْدَ ما أثبت في الجريدَةَ، ولم يمحهُ، وإنما يكلَّف الوارث التسليم؛ إما بإقراره أو إقرار المورث ووصية أو بقيام البينة والله أعلم.


(١) تعقبه الشيخ البلقيني وصاحبه الزركشي وأطال الزركشي فذكرت عبارته لما فيها من الإيضاح الذي زاده على شيخه البلقيني فقال: هذا الذي نقله عن الإمام ليس في النهاية وكأنه طالع أول كلام الإمام دون آخره فحصل الخلل والذي في النهاية: ولو مات ولم يوص فادعى المودع التقصير بترك الإيصاء، فيها فقال الورثة: لعله لم يوص لتلف الوديعة على حكم الأمانة في يده فاعترفوا بأصل الإيداع وادعوا ما ذكرناه، فهذه المسألة مترددة في الضمان وإذا كان أبو إسحاق يرى نفي الضمان حيث لم يصادف الوديعة في التركة بعد الإقرار بها قبل الإيصاء فلا شك أنه ينفي الضمان في الصورة التي ذكرناها آخرًا وهي ادعاء التلف، وحمل ترك الايصاء عليه، ومن أوجب الضمان، وخالف أبا إسحاق فقد توجب الضمان هنا ونفي الضمان هنا أولى، ثم إن ادعى الورثة التلف فالأمر على ما ذكرنا، وإن قالوا عرفنا الإيداع ولكن لا ندري كيف كان الأمر ونحن نجوز أنها تلفت على حكم الأمانة فلم يوص لأجل ذلك ولا تثبت في ذلك قولاً، فإن ضمناهم حيث يجزمون بدعوى التلف فهاهنا أولى وإلا فوجهان أصحهما أنَّ الضمان يجب لأنهم لم يذكروا مسقطًا ولم يدعوه. انتهى.
وحاصله صورتان: إحداهما: أن تجزم الورثة بدعوى التلف قبل أن ينسب إلى تقصير بترك الوصية ورتبة على الخلاف بين أبي إسحاق وغيره وأن الأولى عدم الضمان وعلى هذا فلهم الحلف على ذلك.
والثانية: إذا لم يجزموا بدعوى التلف لكن قالوا لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى تقصير وصح فيها الضمان. فنقل الرافعي عنه في هذه ترجيح عدم الضمان مردود وترجيح للإمام الضمان فيها مشكل لأن الأصل براءة الذمة فكيف يضمن بالشك، وقد قال الإمام في موضع آخر: إن الوديعة في يد الوارث كثوب طيرته الريح.
وأما الأولى فقد تعرض لها الرافعي آخر الباب، وحكي عن المتولي أنهم إذا جزموا بدعوى التلف في يده لا تقبل إلا بالبينة، وعن البغوي التصديق وقال، إنه الوجه فتفطن لذلك، وإذا قلنا: لا ضمان فهل معناه لا ضمان أصلاً ولا ضمان عدوان بسبب ترك الإيصاء ويجري في ضمان الفقد الخلاف السابق فيه نظر ولم يصرح الإمام فيه بشيء وهو محتمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>