للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مَقْصُودُ الفَصَلِ بَيَانُ المَرَضِ (١) المَخَوْفِ، والأَحْوَالِ التي هِيَ في معناه، وبيان الطريق إلَى معرفته عنْد الإشكال، وبيان ما يحكم به للمخوف، وغير المخوف، فهذه ثلاثة أمور:

أمَّا الأوَّل: فما بالإنسان من مرض وعلَّة. إمَّا أن ينتهيَ إلَى حالةٍ يُقْطَعُ فِيها بمَوْتِهِ منه عاجلاً؛ وذلك بأن يشْخَصَ بَصَرَهُ عند النَّزْع، وتبلغ الروحُ الحنجرة، أو يُقْطَعَ حلقُومُه، ومريئه، أو يُشَقَّ بطنُهُ وتَخْرُجَ حشوته. قال الشيخ أبو حامد: أو يغرق في الماء، ويغْمُرَه، وهو لا يحسنُ السباحة، فلا اعتبار بكلامه في الوصيَّة وغيرها، حتى لا يصحَّ إسلام الكافر وتَوْبَة الفاسق، والحالةُ هذه؛ لأنه قد صار في حَيِّز الأموات، وحركَتُهُ كحركة المذبوح (٢). وإما ألاَّ ينتهي إليها، فأما أن يُخَاف منه الموتُ عاجلاً، وهو المخُوفُ الذي يقتضي الحَجْر في التبرعات، أو لا يكون كذلك، فحكمه حكم حالة الصحة، وتكلَّم الشَّافعي -رضي الله عنه- والأصحاب -رحمهم الله- في أمراضٍ خاصَّةٍ مخوفةٍ، وغير مُخوفَةٍ.

فمن الأمراض المُخوفَةِ القُولَنْجُ (٣) وهو أن تنعقد إخلاط الطعام في بعض الأمعاء؛


(١) المرض في اللغة: "إظلام الطبيعة واضطرابها بعد صفائها واعتدالها، وقال ابن دريد: المرض السّقم وهو نقيض الصحة، وقال ابن الأعرابي: المرض النقصان يقال: بدن مريض أي ناقص القوة.
وقد ذكر الفقهاء هنا أمراضاً مختلفة جرت العادة بالموت عندها نذكر طائفة منها على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر:-
أولاً: السلّ: مرض معروف ينحل البدن منه ويضعفه.
ثانياً: القولانج: مرض بالإمعاء يعسر معه خروج الفضلات.
ثالثاً: إسهال الدم.
رابعاً: الحمى الملازمة.
خامساً: ذات الجنب وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد ثم تنفتح فيه.
سادساً: رعاف دائم.
سابعاً: إسهال متواتر.
ثامناً: دِقّ داء يصيب القلب ولا تمتد معه الحياة غالباً.
تاسعاً: خروج الطعام غير مستحيل لانحراف البطن.
(٢) قال النووي: واحتج أصحابنا بأن هذه هي الحال التي قال فيها فرعون: "آمنت" فلم يصح منه والله أعلم.
وذكر في الجنايات بأن المريض إذا انتهى إلى هذه الحالة بسبب المرض فقتله إنسان فله حكم الأحياء حتى يقاد به. نبه على ذلك الأذرعي وغيره، وقول الشيخ يشخص بصره. قال في الصحاح. يقال شخص بصره بالفتح فهو شاخص إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف، والحنجرة بفتح الحاء المهملة، ويقال الحنجرة والحلقوم والحشوة بضم الحاء (قاله الزركشي).
(٣) القُولَنْجُ: مرض معويّ مؤلم يصعب معه خروج البراز والريح، وسببه التهاب القولون: ينظر المعجم الوسيط ٢/ ٧٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>