قَالَ الرَّافِعِيُّ: الغرض الأصليُّ من الفصْل بيان أنَّ حريم العمارة لا يُمْلَكُ بالإحْياء، ثم اختلط به القولُ في حريم الأمْلاَك، فهما جملتان:
أمَّا الأُولى: فحريمُ المعْمُور لا يُمْلكُ بالإحياء كنفس المعمور؛ لأنَّ مالكَ المعمور استحقَّ باستحقاقِهِ المواضَع التي هي من مرافقُهُ، وهل نقول بأنَّهُ يملك تلك المواضع؟ فيه وجهان:
أحدهُمَا: لاَ؛ لأن المِلكَ يحصُل بالإحياء، ولم يوجَدْ فيها إحياء.
وأصحُّهُمَا: نعم، وبه قال القاضي أبو الطيِّب كما يملك عَرْصَة الدار ببناء الدَّار، ولم يوجد في نفْسِ العرْصَة إحياءٌ وأيضاً فالإحياء تاَرةً يكونُ بِجَعْلِه معموراً، وتارةً يكون بجَعْلِهِ تَبَعاً للمعمور، ولو باعَ المالِكُ الحريمَ دُون الملْك، فحاصل جواب الشيخ أبي عاصم العبَّادِيِّ معه، كما لو باع شِرب الأرض وحْده، وهو الرواية عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- قال: ولو حفر اثنانِ بئْراً على أن يكونَ نَفْسُ البئر لأحدهما، وحريمُها للثاني، لم يجز، وكان الكريمُ لصاحب البئْرِ وللآخَرِ أُجْرةُ عمله.
الجملة الثانية: بيان الحريم: وهي المواضعُ القريبةُ التي يُحْتَاج إلَيْها لتمام الانتفاع؛ كالطريق ومَسِيلِ الماء ونحوهما (١)، وفيه صُوَرٌ:
(١) كان الأولى تقديم بيان الحريم على حكمه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.