للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهرهما عند الأكثرين: الجواز؛ لأنه لا غنِيَّة به عن الماء، فإنَّ قَوَامَه به، بخلاف المَخِيض إذ لا مَصْلَحَة له في الماء والأَقِطُ كالجبن (١) وفي "التتمة": أن المَصْل كالمخيض؛ لما فيه من الدَّقِيق والأدهان المطيبة كدهن البَنَفْسَج والبَانِ والوَرْدِ إنْ خالطها شيء من جِزْمِ الطِّيْبِ لم يَجُزِ السَّلم فيها، وإن تَرَوَّح السِّمْسِمُ بها ثم اعتصر جاز.

النوع الرابع: المُخْتَلَطَات خِلْقة، ومثلها الإمام بالشُّهْد واللَّبَن وعد الشهد من المُخْتَلَطَات أظهر من عد اللّبن منها؛ لأن في ركني الشُّهد امتيازاً ظاهراً واللَّبَن شيء واحد، إلاَّ أنه بعرض أن يحصل منه شيئان مختلفان، وفي السَّلَم. في الشُّهْد وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأن الشَّمْع فيه، قد يقلّ وقد يكثر، فأشبه سائر المُخْتَلطات، وهذا ما رواه القاضي ابن كَجٍّ عن نصه.

وأصحُّهما: الجواز؛ لأن اخْتِلاَطه خِلقي فأشبه النَّوَى في التَّمر، وكما يجوز السَّلم في الشُّهْد يجوز في كل واحد من رُكْنيه.

وأما اللبن فلا خلاف في جَوَاز السَّلَم فيه.

وقوله في أول الفصل: (فلا يصح السلم) إلى قوله: (لا يتغابن الناس بمثله في السَّلم) هكذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها ما لا يَتَغَابَن النَّاس بمثله، وهما صحيحان، ومعنى الأول: لا يحتمل الناس إهمال مِثْل ذلك الاختلاف والنُّقْصَان، ومعنى الثَّاني: أنه لا بأس بأن لا تنضبط منه الأَوْصَاف التي لا يبالي بها ويحتمل فواتها.

ثم اعلم أن من الأصحاب من يقول: يجب التَّعرض للأوصاف الَّتي يختلف بها الغَرَض، ومنهم من يعتبر الأَوْصاف التي تختلف بها القيمة.

ومنهم من يجمع بينهما وليس شيء منها معمولاً بِإِطْلاقه؛ لأن كون العَبْدِ ضعيفاً في العمل وقوياً وكاتباً وأميناً وما أشبه ذلك أوصاف يختلف بها الغَرَض والقيمة، ولا يجب التَّعرض لها ثَمَّ.

قوله: (لا يصح السلم إلاَّ في كذا)، يقتضي صحة السلم في كذا؛ لأن الاسْتِثْنَاء من النَّفي إِثبات وليس ذلك على الإِطْلاَق، بل لو انْضَبَط منه كل وصف تختلف به القيمة ولكن كان عزيز الوجود لا يصح السَّلَم فيه.


(١) قال الأذرعي: أطلقا -يعني الشيخيين- الجواز في الجبن. وقال الماوردي: لا يجوز السلم في الجبن العتيق والقديم إذ لا حد له. قال الأذرعي: ولأنه بمنزلة المعيب، ولا يجوز السلم في المعيب كالحنطة العفنة أو المسوسة. وعبارة نص الأم "ولا خير في أن يقول جبن عتيق ولا قديم لأن أقل ما يقع عليه اسم العتيق والقديم غير محدود".

<<  <  ج: ص:  >  >>