للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحهما عند الجمهور: نعم لشمول الخبر والمعنى، فإن المبيع هو الثمرة، ولو تلفت لم يَبْقَ في مقابلة الثمر شيء، ولكن يجوز له الإبقاء، ولا يلزمه الوفاء بالشرط هاهنا إذ لا معنى لتكليفه قطع ثماره من أشجاره.

والثاني: وهو الذي أورده في الكتاب أنه لا حاجة إلى شَرْط القطع، لأنه يجمعها ملك مالك واحد، فأشبه ما لو اشتراهما معاً، وسيأتي ذلك، ولو باع الشجرة وعليها ثمرة مؤبرة فبقيت للبائع، فلا حاجة إلى شرط القَطْع لأن المبيع هو الشَّجرة، وهي غير متعرّضة للعَاهَات، والثمار مملوكة له بحكم الدوام، ولو كانت الثمرة غير مؤبّرة فاستثناها لنفسه، فهل يجب القطع؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، لأن الثمار والحالة هذه مندرجة لولا الاستثناء، فكان كملك مبتدأ.

وأصحهما: أنه لا يجب لأنه في الحقيقة استدامة ملك، فعلى هذا له الإبقاء إلى وقت الجُذَاذ، ولو صرح بشرط الإِبْقَاء جاز، وعلى الأول لا يجوز (١).

الحالة الثانية: أن تباع الثمار مع الأشجار، فيجوز من غير شرط القَطْع، بل لا يجوز شرط القطع فيه (٢)، أما إنه يجوز من غير شرط القَطْع فلما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ بَاعَ نَخْلَةً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ".

جواز شرط الثَّمرة للمبتاع مع الأصل مطلقاً.

والمعنى فيه أن الثمرة هاهنا تتبع الأصل، والأصل غير متعرّض للعاهة، وقد يحتمل في الشيء إذا كان تابعاً ما لا يحتمل فيه إذا أفرد بالتَّصرف، كالحمل في البطن واللَّبن في الضَّرْع، وأما إنه لا يجوز شرط القطع فيه فَلِمَا فيه من الحجر عليه في ملكه.


(١) قال النووي: قال الإمام: إذا قلنا: يجب شرط القطع، فأطلق، فظاهر كلام الأصحاب أن الاستثناء باطل، والثمرة للمشتري. قال: وهذا مشكل، فإن صرف الثمرة إليه مع التصريح باستثنائها محال. قال: فالوجه عدّ الاستثناء المطلق شرطاً فاسداً مفسداً للعقد في الأشجار، كاستثناء الحمل.
(٢) لأن فيه حجراً على المشتري في ملكه، والفرق بينه وبين ما إذا باعها من صاحب الأصل ما ذكرناه من التبعية، ولقائل إن يقول لا أثر لهذا الشرط في مسألة الكتاب لأنه لا غرض فيه للبائع كما سبق مثله في بيع العبد بشرط إطعامه. كذا لو بيع البطيخ والباذنجان ونحوهما قبل بدو الصلاح مع أصوله فالأصح ما دل عليه كلام الرافعي أنه كبيع الثمر مع الشجر، وقيل لا بد من شرط القطع لضعف أصولها. قاله في التوسط.
قال النووي: لو قطع شجرة عليها ثمرة، ثم باع الثمرة وهي عليها، جاز من غير شرط القطع، لأن الثمرة لا تبقي عليها، فيصير كشرط القطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>