أصحهما: عند الإمام وصاحب "التهذيب": أنه لا حاجة إليه، وإذا لقي البائع فسلم عليه لم يضر، ولو اشتغل بمحادثته بطل حقه، ولو أخر الرد مع العلم بالعيب، ثم قال: أخرت لأني لم أعلم أن لي حق الرد فإن كان قريب العهد بالإسلام، أَوْ نَشَأَ في بادية لا يعرفون الأحكام قتل قوله، ومكن من الرد، وإلاَّ فلا، ولو قال: لم أعلم أنه يبطل بالتأخير قبل قوله؛ لأنه مما يخفى على العَوَام (١).
وحيث بطل حق الرد بالتقصير يبطل حق الأَرْش أيضاً.
وليس لمن له الرد أنْ يمسك المبيع ويطلب الأَرْش خلافاً لأحمد، وليس للبائع أيضاً أن يمنعه من الرد ليغرم له الأَرْش، ولو رضي بترك الرَّد على جزء من الثمن أو على مال آخر، ففي صحة هذه المصالحة وجهان:
أحدهما وبه قال أبو حنيفة ومالك وابن سريج: أنها تصح كالصلح عن حق القِصَاص على مال.
وأظهرهما: المنع؛ لأنه خيار فسخ فأشبه خيار الشرط والمجلس، وعلى هذا يجب على المشتري رد ما أخذ، وفي بطلان حقه من الرد وجهان:
أحدهما: يبطل؛ لأنه أخر الرد مع الإمكان وأسقط حقه.
وأصحهما: المنع، لأنه نزل عن حقه على عوض، ولم يسلم له العوض فيبقى على حقه، ولا يخفى أن موضع الوجهين ما إذا كان يظن صحة المصالحة.
أما إذا علم فسادها بطل حقه بلا خلاف -والله أعلم-.
قال الغزالي: وَيتْرُكُ الانْتِفَاعَ في الحَالِ، وَيَنْزِلُ عَنِ الدَّابَّةِ إِنْ كَانَ رَاكِباً، وَيَضَعُ عَنْهُ إكَافَهُ وَسَرْجَهُ فَإنَّهُ انْتِفَاعٌ، وَلاَ يَحُطُّ عِذَارَهُ فَإِنَّهُ في مَحَلِّ المُسَامَحَةِ إلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ القَوْدُ فَيُعْذَرَ في الركُّوبِ إِلَى مُصَادَفَةِ الخَصْمِ أَو القَاضِي.
قال الرافعي: كما أن تأخير الرَّد مع الإمكان تقصير، فكذلك الاسْتِعْمال والانتفاع والتَّصرف لإشعارها بالرِّضا والاختيار، فلو كان المبيع رقيقاً فاستخدمه في مدّة طلب الخصم أوالقاضي بطل حقه، وإن كان بشيء خفيف كقوله: اسقني، أو ناولني الثوب، أو أغلق الباب، ففيه وجه: أنه لا أثر له؛ لأن مثل هذا قد يؤمر به غير المملوك، وبهذا
(١) [إنما يقبل قوله: لم أعلم أن الرد على الفور، وقول الشفيع: لم أعلم أن الشفعة على الفور، إذا كان ممن يخفى عليه مثله، وقد صرح الغزالي وغيره بهذا في كتاب "الشفعة"]. ينظر روضة الطالبين (٣/ ١٣٥).