للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّحْمَةُ عَنِ التَّقْبِيلِ اقْتَصَرَ علَى المَسِّ أَو الإشارةِ، وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ في آخِرِ كُلِّ شَوْطٍ، وَفي الأَوْتَارِ آكَدُ.

قال الرافعي: ومن السنن أن يستلم الحجر بيده في ابتداء الطَّوَافِ، لما روى عن جابر -رضي الله عنه- أن النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "بَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ وَفَاضَتْ عَينَاهُ مِنَ الْبُكَاءِ" (١).

وَيُقَبِّلُهُ؛ لما روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال وهو يَطُوف بالركن: "إِنَّمَا أَنْتَ حَجَرٌ وَلَولاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ لَمَا قَبَّلْتُكَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَبَّلَهُ" (٢).

ويضع جبهته عَلَيْهِ؛ لما روى عن ابْنِ عَبَّاس -رضي الله عنهما-: "أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ الْحَجَرُ الأَسْوَدَ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ بِجَبْهَتِهِ" فإن منعته الزَّحْمَةُ من التقبيل اقتصر على الإسْتلاَم فإن لم يمكن اقتصر على الإشارة باليد، ولا يشير بالفَم إلى التقبيل، ولا يقبل الركنين الشَّاميين ولا يستلمهما، ولا يقبل الركن اليَمَانِي، ولكن يستلمه باليد، وروي عن أحمد أنه يُقَبِّلُهُ، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- لا يستلمه ولا يُقَبِّلُه.

لنا ما روى عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِي وَالأَسْوَدَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَلاَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ" (٣).

قال الأئمة: ولعل الفَرْقَ ما تقدم أن اليمانيين على قواعد إبراهيم عليه السلام دون الشَّامِيين. ثم حكى الإمام أنه يتخير حين يستلم الركن اليماني بين أن يُقَبِّل يده ثم يَمَس الرُّكْنَ كالذي ينقل خِدْمَة إليه، وبين أن يمسّه ثم يقبل اليد كالذي ينقل يُمْناً إلى نَفْسِهِ، وهكذا يتخير بين الوجهين إذا مَنَعَتْهُ الزحمة من تقبيل الحَجَرِ، ولم يورد المعظم في الصُّورتين سِوَى الوَجْهِ الثَّاني.

وقال مالك -رضي الله عنه- لا يُقَبِّلُ يَدَهُ فيهما، ولكنه بعد الاستلام يضع يدَهُ عَلَى فيهِ.

ولو لم يستلم الركن باليد، ولكنه وضع خشبة عليه ثم قَبَّلَ طَرَفَهَا جَازَ أيضاً (٤)، روى عن أبي الطُّفَيلِ قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنِ بِمحْجَنٍ وُيقَبِّلُ الْمحْجَنَ" (٥).


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك (١/ ٤٥٤، ٤٥٥) من حديث جابر -رضي الله عنه- وله شاهد عنده من حديث ابن عمر.
(٢) أخرجه البخاري (١٠٩٧، ١٦٠٥، ١٦١٠) ومسلم (١٢٧٠).
(٣) أخرجه البخاري (١٦٩٠) ومسلم (١٢٦٧).
(٤) قال النووي: الاستلام بالخشبة ونحوها مستحب إذ لم يتمكن من الاستلام باليد الروضة (٢/ ٣٦٦).
(٥) أخرجه مسلم (١٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>