للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: أَمَّا المِيقَاتُ المَكَانِيُّ فَهُوَ فِي حَقِّ المُقِيمِ بِمَكَّةَ خُطَّةُ مَكَّةَ عَلَى رَأْيٍ وَخُطَّةُ الحَرَمِ عَلَى رَأي، وَالأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ بَابِ دَارِهِ، فَإِنْ أَحْرَمَ خَارجَ الحَرَمِ فَهُوَ مُسِيئٌ.

قال الرافعي: تكلم في الميقات المكاني في الحَجِّ، ثم في العمرة، وفي الحج في حق المقيم بمكَّة وغيره (١).

أما المقيم بمكَّة إذا أراد الحَجَّ مكياً كان أو غيره فإنه يحرم منها، وميقاته نفس مَكَّة أو خطة الحرم كُلّها فيه وجهان، وقال الإمام: قولان:

أصحهما: نَفْسُ مَكَّة كما سيأتي من خبر ابن عباس -رضي الله عنهما- في المواقيت.


(١) [الحكمة في اتخاذ الحج والعمرة في هذه البقع المطهرة: أوّلاً: إظهار قدرة الله القاهرة وقوّته الغالبة لكلّ أمل بصير فإنه أظهر دينه الحنيفي من تلك الأماكن المنبوذة والمحالّ المنقطعة بين قوم أذلّهم الجهل وأوهنهم التخاذل حتى كادت تفنيهم الغلظة، ويبيدهم حبّ الانتقام ثم أيّده بروح منه ونصره نصراً عزيزاً ومنحة قوة غالبة طبق بها الأرض شرقاً وغرباً فخضع لأهله وهم متمسكون به من على وجه البسيطة من الملوك المتجبّرين، وذوي العزّة المتكبرين، وكان خير مرشد إلى الأمم وأقوم هادٍ إلى المدنية الصحيحة التي طلبها السابقون من الحكماء، وذوي العقول المنيرة فضلّوا عنها ولم يهتدوا إليها وماتوا بحسرتها، فأهداها هذا الدين القويم إلى الأمم ففاز بها السابقون من أهله وتمسك ببعضها غيرهم، فنالوا من الخير بقدر ما أحرزوه منها وهجرها الآن ذووه، ففارقتهم السعادة وآلمت ألا تعطف عليهم إلا إذا ركنوا إلى أحكامه وتمسكوا بمدنيّته هداهم الله إلى ذلك ووفّقنا وإيّاهم إلى ما فيه الخير والنجاح إنه هو السميع المجيب.
ثانياً: تذكار ما وقع في تلك المواقع الطاهرة لعباد الله تعالى المكرمين من العوذ بإلههم وتفضله عليهم بالقبول كذكر ما كان من التجاء أبي البشر وزوجه إلى الله في تلك البقاع والتوبة عليهما وغير ذلك مما سنذكر في الكلام على أفعال الحج لقتدي الحاج بهم في الالتجاء ويتشبه بهم في اللياذ ويتصف بآدابهم مع ربّ الأرباب، ويتخلّق بأخلاقهم الطاهرة، ويسير على سننهم المستقيم علّه يلحق بهم في الغفران ويضاف إليهم في القبول.
وثالثاً: استجابة دعاء خليل الرحمن القائل فيه: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} كما استجاب له إذ قال: {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا} فإن في استجابة ذلك الدعاء عمار تلك الأمكنة الطاهرة وحياة أهلها أبناء إسماعيل عليه السلام.
ورابعاً: تمكن المسلمين من الاجتماع بدون رقيب، ولا عتيد فإن هاته الأماكن في جزيرة العرب التي أخلاها الإسلام من جميع ما سواه من الأديان، ولأنه جعل الأماكن المذكورة حَرَماً آمناً من أن تحلّ به قدم شخص يخالف عقيدة الإسلام، فلا يجد الموحّدون المجتمعون فيه من يضايقهم في اجتماعهم، ويحصي عليهم ما يسرّون وما يعلنون - فيأخذون بأطراف الأحاديث، ويصلحون أمر دينهم ودنياهم، وهم في حرز حصين وحياطة من رب العالمين].

<<  <  ج: ص:  >  >>