للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحصار عَلَى الأَجِير، وعلى الأول هو على المستأجر، وفي استحقاقه شيئاً من الأُجْرة الخلاف المَذْكُور في الموت، وإن لم يتحلل وأقام على الإحْرَام حتى فاته الحَجّ انقلب الحَجُّ إليه، كما في صورة الإفْسَاد، ثم يتحلل بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وعليه دم الفَوَات، ولو فرض الفوات بنوم أو تأخر عَن القَاِفلة وغيرهما من غير إحصار انقلب المأتى به إلى الأجير أيضاً كما في الإفساد؛ لاشْتِراكهما في إيجاب القَضَاء؛ ولا شَيْءَ لِلأَجِير ومن الأصحاب من أجرى فيه الخِلاَف المذكور في الموت، ولا يخفى بعد الوُقوف على ما ذَكَرْنَا، أن قوله: (لو أحصر فهو كما لو مات) أراد به مَا إِذَا أحصر وتَحَلَّل، وأنه يجوز أن يعلم قوله: (كما لو مات) بالواو لأنا حكينا وجهاً أنه إذا تَحَلَّل وقع المأتى به عن الأجِير، وذلك الوَجْه غير جارٍ في الموت، فلا يكون الإحْصَار كالموت على ذلك الوَجْه، وأنه لو أعلم قوله: (فهو كالإفساد) بالواو، وكذا قوله: (يستحق شيئاً) جَارٍ مجرى التوكيد والإيضَاح، وإلا ففي التَّشْبِيه بالإفْسَاد ما يغني عنه، والله أعلم هذا تمام الكَلاَم في المقدّمة الأولى.

قال الغزالي: المُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: المَوَاقِيتُ، وَالمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ شَهْرُ شَوَّالٍ (ح) وَذُو القِعْدَةِ وتِسعٌ مِنْ ذي الحِجَّة، وَفي لَيْلَةِ العِيدِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ وَجْهَانِ.

قال الرافعي: ميقات الحج والعُمْرة ينقسم إلى زماني ومكاني.

أما الزماني (١) فالكلام فيه في الحَجِّ، ثم في العمرة.

أما الحج فوقت الإحْرَام به شَوَّال، وذو القعدة، وتسع لَيالٍ بأيامها من ذِي الحَجَّة، وفي ليلة النَّحْرِ وجهان حكاهما: الإمام وصاحب الكتاب.

أصحهما: ولم يورد الجمهور سواه: أنها وقت له أيضاً؛ لأنها وقت للوُقُوفِ بعرفة، ويجوز أن يكون الوجه الآخر صادراً ممن يقول، أنها ليست وقتاً له، وسيأتي بيان ذلك الخِلاَف في موضعه.


(١) الحكمة في تصيير الحج في أزمنته المقررة وهي "شوّال وذو القعدة وبعض ذي الحجة" فهو علم العليم الحكيم أنّ حصول الطاعة في هذه الأوقات أبعث على طهارة النفس، ووقوع المعصية فيها أقوى تأثيراً في خبثها لما فيها من انتشار الروحيّة والاستعداد لتسلّط الملكيّة على البهيميّة فخصّها بأن جعلها حُرُماً ومواقيت لقيام هذا الركن الجليل من أركان الإسلام على أن الله العليم بما خلق الحكيم فيما صنع له أن يميّز ما شاء بما يشاء حسب ما يقتضيه علمه وتستدعيه حكمته. أما تراه ميّز من الأزمنة شهر رمضان بوجوب صومه ويوم الجمعة بعظيم احترامه ويوم عرفة بنسكه وليلة القدر بجعلها خيراً من ألف شهر ويعض الساعات بإيجاب الصلاة فيه كما ميز من الأمكنة البلد الحرام بمناسك الحج والمنع من قطع شجره وصيد حيوانه ومن الأشخاص المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم بالرّسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>