للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنها قامت له عوضًا من الإنفاق، ولأن تسبيحهم هذا أثار تعليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسؤالهم إياه، فصار كل من يتعلم منهم إلى يوم القيامة فإنما هو في المعنى كأنه من صدقتهم عليه، فكانت صدقتهم أذكار الله سبحانه وحمده وتسبيحه على عباد الله، وذلك لعباد الله أنفع من الطعام والشراب لأن الطعام والشراب قوت الأبدان، وتسبيح الله وتحميده قوت الأرواح.

* وهذا الحديث سيأتي في أثناء الكتاب أشياء يكون نطقها مبينًا عن معناه، وإنه لما ذكر الفقراء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما خافوا أن يفوتهم به الأغنياء من الإنفاق، قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولًا عارضهم به قوله: (أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون) وهذا يرجع إلى ما فسرناه من الحديث المقدم من قوله: (يصبح ابن آدم على كل سلامى منه صدقة) فأراد بالذي جعل لهم ما يتصدقون به: أن الفقراء إذا قال أحدهم سبحان الله كانت قائمة مقام صدقة ألغني مع تمني أحدهم أن يكون له مال ينفقه في سبيل الله، وفي بعض الأحاديث التي تأتي أن ذلك بلغ الأغنياء فقالوا كما قال الفقراء، واجتمع لهم فضل الإنفاق وفضل الذكر، فإن ذلك لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).

* وهذا إنما يكون لغني تكون حاله كحال الفقراء في تفرغه لعبادة ربه، ويكون الفقير الذاكر لله سبحانه الراضي بتدبير الله تعالى في إفقاره وإغناء غيره المتمني أن لو كان له ما ينفق لأنفقه، مع كونه قد اعتبر ذلك على نفسه بأن أنفق اليسير الذي فضل عن حاجته وإن كان يسيرًا فإنه ذو درجة فاضلة عالية.

* وأما قوله: (ففي بضع أحدكم صدقة) ففيه من الفقه (١٧٨/ أ) أن الرجل المؤمن في مباضعة أهله قد يتصدق بذلك على من يباضعه من حلاله فإنه يعفه به عن التطلع والتلفت.

* ويكون أيضًا قد تصدق على المسلمين بأن بذر لهم، من يجوز أن يحضر يومًا من الأيام صفًّا من صفوف المشركين مجاهدًا في سبيل الله عز وجل واقفًا مع المسلمين، فيستنزل الشيطان صف المسلمين ببعض ما كسبوا فولوا الأدبار،

<<  <  ج: ص:  >  >>