ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال:(أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟! إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة)، قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيه أجر؟ قال:(أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال له أجر)].
* قولهم:(ذهب أهل الدثور) يعني أهل الأموال الكثيرة، ثم عللوا ذهاب القوم بالأجور، فقالوا: يتصدقون بفضول أموالهم. وهذا القول لم يصدر من أولئك السادة الذين وصفهم الله عز وجل بقوله:{الذين لا يجدون ما ينفقون} خارجًا مخرج الحسد للأغنياء على ما في أيديهم من الدنيا بل منافسة في الفضيلة، لذلك وصفهم الله عز وجل فقال:{ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون} فنافسوا فيما يتنافس فيه المتنافسون ولذلك قال عز وجل: {ألا يجدوا ما ينفقون} ولم يقل ما يكنزون ولا ما يدخرون دالًا بذلك جل دلاله أن حزنهم إنما كان على فوت فضيلة الإنفاق في سبيل الله عز وجل، وذلك أنهم لما رأوا أن أصحاب الدثور يصلون كما يصلون، ويسبحون كما يسبحون، ويفعلون من أفعال الخير كما يفعلون إلا أنهم يفضلونهم بالأنفاق غبطوهم ها هنا حتى شكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأجابهم - صلى الله عليه وسلم - فقال (أليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟) والذي فات أصحاب الأموال وإن شاركوا الفقراء في التسبيح والتحميد (١٧٧/ ب) هو الحسرة التي يجدها الفقراء لعدم ما ينفقون، وتلك حسرة لا يجدها واجد، بل صارت تسبيحته صدقة منه جامعة