والثانية: قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾ [النحل: ١٠٧]، فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر، وإنما سببه: أن له في ذلك حظًا من حظوظ الدنيا، فآثره على الدين، والله ﷾ أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ختم الشيخ هذه الرسالة بهذه المسألة التي هي بحق عظيمة، وكما ذكر الشيخ أنه أفردها لعظم شأنها، وكثرة الغلط فيها.
وقد قدم الشيخ لهذه المسألة بالقول: إن التوحيد لا بد أن يكون ظاهرًا وباطنًا بالقلب واللسان والجوارح، فمن عرفه بقلبه ولم يقر به ظاهرًا؛ فإنه كافر معاند كفرعون، وكثير من أمم الكفر يعرفون الحق ولكنهم يعاندون ويجحدون، فمثلًا فرعون قال: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين (٢٣)﴾ [الشعراء]، وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨]، فقال الله عن هذا التكبر والجحود: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]. وقال تعالى عن موسى لما قال لفرعون: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: ١٠٢]، وقال تعالى عن أهل الكتاب اليهود: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦].
وقال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُون (٣٣)﴾ [الأنعام]، يقولون: هو مجنون، هو