قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. تعقبه الذهبيُّ: محمد بن عبيد لم يحتجَّ به مسلم، وقال أبو حاتم: ضعيف. قلتُ: إلا أنه قد تُوبع؛ فرواه الدارقطني (٤/ ٣٦)، والبيهقي (٧/ ٣٥٧) من طريق قَزَعة بن سُوَيد، عن زكريا بن إسحاق ومحمد بن عثمان، كلاهما عن صفية بنت شيبة، به. قزعة بن سُويد -على ضعفه- يصلح للمتابعة؛ قال أبو حاتم: ليس بذاك القوي، محله الصدق، وليس بالمتين، يُكتب حديثه ولا يحتجُّ به. وقال ابن عَدي: له - غير ما ذكرتُ - أحاديثُ مستقيمة، وأرجو أنه لا بأس به. «تهذيب الكمال» (٢٣/ ٥٩٥). فهو يصلح للمتابعة على كل حال. والحديث حسَّنه العلامة الألباني -رحمه الله- في «الإرواء» (٢٠٤٧). وانظر كلام القاسمي في الحاشية التالية؛ فإنه مهمٌّ. (٢) هذا الحديث -وإنْ لم يخرجه البخاريُّ لعدم مجيئه على شرطه- إلا أنه أشار إليه في كتاب الطلاق تحت ترجمة: «باب الطلاق في الإغلاق والكُرْه والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق، والشرك وغيره؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «الأعمال بالنية، ولكلِّ امرئ ما نوى». اهـ. وكلُّ ما علَّقه البخاريُّ أو أشار إليه يدلُّ عَلَى أن له أصلاً عنده، ينبغي للفقيه إعارته النظر الدقيق، وليس كالذي لم يعلقه ولم يشرْ إليه كما لا يخفى، وقد اشتُهر عن البخاري كمالُ فقهه ودِقة نظره وقوة استنباطه وعلمه، كما ترى في ترجمته هذه، فإنه عَدَل عن الاستدلال على عدم وقوع طلاق الغضبان بحديث الإغلاق - لنظرٍ ما فيه عنده - إلى الاستدلال بحديث النية على عدم وقوعه؛ لأن هذا الحديث هو الكلي الأعظم في أبواب مِن الشريعة، ولذا قال الحافظ ابنُ حجر تحت ترجمة البخاري المذكورة (٩/ ٣٨٩) ما مثاله: «اشتملت هذه الترجمة على أحكام يجمعها: أن الحكم إنما يتوجَّه على العاقل المختار العامد الذاكر، وشمل ذلك الاستدلال بالحديث؛ لأن غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والناسي، والذي يُكره على الشيء». اهـ. وعليه؛ فإنَّ مذهب البخاري يتفق مع مذهب مَن قال بعدم وقوع طلاق الغضبان مآلاً، وإن اختلفا مأخذاً واستدلالاً - سُنةَ المجتهدين الاجتهاد المطلق - على أنَّ حديث الإغلاق بما قام على كون معناه معقولاً مِن الوجوه الآتية في هذا الكتاب - التي كادت تقرب من الثلاثين - صار من الصحيح لغيره، وهو قسيم الصحيح لذاته. والصحيح لغيره ما صُحِّح لأمرٍ أجنبي عن السند، قال ابن الحصَّار: قد يعلم الفقيه المجتهد صحَّة الحديث إذا لم يكن في سنده كذَّاب بموافقة آية مِن كتاب الله أو بعض أصول الشريعة، فيحمله ذلك على قَبوله والعمل به. (القاسمي).