الأمارات التى تفيد الظن وأن العمل بموجب الظن واجب قطعًا على المجتهد دون المقلد لا بمعنى أن الفقه عبارة عن العلم بوجوب العمل، بل بمعنى أنه يجب عليه الجزم بوجوب ما دلت الأمارة على وجوبه وحرمة ما دلت الأمارة على حرمته وهكذا، فالمجتهد هو الذى يفضى به ظنه الحاصل من الأمارة إلى العلم بالأحكام بهذا المعنى بخلاف المقلد فإن ظنه لا يصير وسيلة الى العلم، وهذا تدقيق تفرد به الشارح وفيه إشارة إلى الجواب عما يقال إن الفقه من باب الظن فكيف أطلق عليه العلم؟ إلا أنه يشكل بالأحكام المستنبطة من الأدلة القطعية كالكتاب والسنة المتواترة والإجماع وإن سميت أمارات، بمعنى أنها معترفات وعلامات نصبها الشارع للأحكام لا موجبات وأما غيره من الشارحين فحاصل تقريرهم وجهان أحدهما: لا نسلم أن المقلد ليس بفقيه فإن المراد بالأدلة الأمارات وقوله: فيه أمارة له وفساده بين وثانيهما: لا نسلم أن علم المقلد حاصل على الأمارات التى نصبها الشارع إذ لا يتمكن من الاستدلال بها والاستنباط عنها إلا المجتهد؛ لكونها ظنيات وقد تتعارض فيحتاج إلى ترجيح، وهذا فاسد لما مر من أن المراد بالمقلد ليس العامى الذى بالأدلة التفصيلية القطعية أو ما هو أعم منها لو رد الإشكال على إرادة البعض إذ لا فرق بين المجتهد والمقلد المذكور فى العلم ببعض الأحكام عن الأدلة التفصيلية القطعية بالاستدلال، لكنا نريد بها الأمارات المفيدة للظن المفضى إلى العلم بالأحكام للمجتهد دونه فيخرج عن الحد ويؤيد ذلك ما ذكره فى المنتهى، وأورد إن كان المراد البعض لم يطرد إذ كان المقلد فقيهًا وأجيب بأنه يصح البعض ويطرد إن أريد بالأدلة الأمارات، لأنه لا يعلمه كذلك إلا فقيه وههنا بحثان الأول أنه يلزم مما ذكر أن تكون الأحكام المعلومة من الأدلة القطعية خارجة عن الفقه فإما أن يختار أن الأدلة اللفظية لا تفيد إلا ظنًا كما ذهب إليه بعض فكذا يتفرع عليها من الإجماع والقياس وإما أن يقال كل ما دل عليه دليل قطعى من الأحكام فهو مما علم من الدين ضرورة وقد صرح فى المحصول بخروج مثله عنه الثانى: أن ذلك الإجماع إن كان ظنيًا فى نفسه أو نقل إليه بطريق الآحاد لم يجزم بمقتضاه، وإن كان قطعيًا فيهما جزم به وأفضاه ظنه بواسطة ذلك الجزم إلى العلم بوجوب العمل بالأحكام لا العلم بها والمقصود هو الثانى، والجواب أن الشارع جعل ظنه مناطًا للأحكام وعلة لها كما جعل ألفاظ العقود مثلًا علامة عليها وأسبابًا لثبوتها