للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أن ابن عمر - رضي الله عنهما - روى هذا الحديث بلفظ: «فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين» (١) , (فيحمل المُطْلق على المُقيَّد) (٢) (٣).

فيكون معنى: «اقدروا له» عند ابن عمر - رضي الله عنهما - أتموه ثلاثين, كما جاءت هذه الرواية الصريحة عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تبارك وتعالى جعل الأهلة مواقيت، فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له، أتموه ثلاثين» (٤).

فهذه الرواية الصحيحة صريحة في إتمام الثلاثين، وإن كانت السماء مغيمة.

والروايات يفسر بعضها بعضا, والحديث إذا جمعت طرقه تبين المراد منه (٥).

الثاني: وأما صيام ابن عمر - رضي الله عنه - فليس دليلا على أن ذلك اليوم ليس يوم شك؛ بدليل أن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يصومه ولا يوجب صيامه. فدل على أنه كان يصومه احتياطا، وهو اجتهاد منه.

قال ابن القيم (٦): "ويدل على ذلك أنه - رضي الله عنه - لو فهم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اقدروا له تسعا وعشرين ثم صوموا» -كما يقوله الموجبون لصومه-، لكان يأمر بذلك أهله وغيرهم، ولم يكن يقتصر على صومه في خاصة نفسه ولا يأمر به، ولبين أن ذلك هو الواجب على الناس" (٧).


(١) رواه مسلم ٢/ ٧٥٩ رقم ١٠٨٠، كتاب الصيام, باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما.
(٢) المُقيّد: في اللغة: من القَيد وهو الرَبْط. واصطلاحا: هو ما دل لا على شائع في جِنسه، فتدخل فيه المعارف والعمومات كلها. ينظر: تاج العروس ٩/ ٨٦، إرشاد الفحول ٢/ ٦. وتنظر القاعدة في: المحصول للرازي ٣/ ١٤١، روضة الناظر ٢/ ١٠٣، إرشاد الفحول ٢/ ٦.
(٣) ينظر: المجموع ٦/ ٤٠٩.
(٤) سبق تخريجه صفحة (١٢٤).
(٥) ينظر: طرح التثريب ٤/ ١٠٧ - ١٠٨.
(٦) هو: محمد بن أبي بكر بن سعد الزرعي, شمس الدين الدمشقي, من كبار الفقهاء, تتلمذ على: ابن تيمية, ولازمه كثيرا وتأثر به، من تلاميذه: ابن كثير, وابن رجب, والذهبي, من تصانيفه الكثيرة: تهذيب سنن أَبِي دَاوُد؛ وإعلام الموقعين؛ ومدارج السالكين, توفي سنة ٧٥١ هـ. ينظر: المقصد الأرشد ٢/ ٣٨٤, ذيل طبقات الحنابلة ٥/ ١٧٠, الدرر الكامنة ٥/ ١٣٧.
(٧) زاد المعاد ٢/ ٤٤ - ٤٥.

<<  <   >  >>