وذهب أصحاب الشافعي وبعض المتكلمين إلى جوازه. ونسبوا ذلك إلى أبى حنيفة رحمه الله. قالوا: روى الكرخي عن أبى حنيفة رحمهما الله أنه جوز تخصيص العلة، إلا أنه غير صحيح.
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه- وجوه أربعة قريب بعضها من بعض:
أحدها- إن جواز تخصيص العلة طريق معرفة الأحكام الشرعية من أن يكون [طريقاً] إليها، وذا لا يجوز- بيانه: إنا نعرف ثبوت الأحكام الاجتهادية بوجود وصف يقتضي غلبة الظن بثبوتها. فلو جوزنا وجود الوصف المقتضي لغلبة الظن، على الحد الذي اقتضى غلبة الظن بثبوتها في الأصل، في بعض المواضع، ولا يثبت الحكم خرج من أن يكون طريقاً إلى معرفة الحكم، وهو مما لا يجوز القول به، مع ورود التعبد بالقياس وإثبات الأحكام بالاجتهاد.
وثانيها- إن تجويز تخصيص العلة، يمنع تعلق الحكم بالوصف الذي تعلق به الحكم، والأصل الذي توافقنا على كونه علة فيها- بيانه: أن الحكم إنما تعلق بالعلة الشرعية في الموضع الذي ثبت الحكم به، لكونه على الظن ثبوته، لا بكونه موجباً له، لأن العلل الشرعية أمارات لا موجبات. فإذا وجدت العلة مقتضية غلبة الظن، وغلب على الظن ثبوت الحكم به ولم يثبت، فقد بطل تعلق الحكم بهذا الوصف، وهذا لا يجوز.