للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمره قديم، وبأنّ الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه، وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده، وتوقّف آخرون، وقالوا: لا نقول شيئا.

وسئل عن ذلك حافظ أصبهان أبو عبد الله بن منده من أصحابنا فقال: أمّا بعد فإن سائلًا سألني عن الروح التي جعلها الله قوام أنفس الخلق، وأبدانهم وذكر أن أقوامًا تكلموا في الروح وزعموا أنها غير مخلوقة، وخَصّ بعضهم منها روح القدس وأنها من ذات الله، قال: وأنا أذكر اختلاف أقاويل الناس، وأبيّن ما يخالف أقاويلهم من الكتاب والأثر، وأقاويل الصحابة والتابعين وأهل العلم.

وأذكر بعد ذلك، وجوه كلام الذين تكلموا على الروح بغير علم، وأنّ كلامهم يوافق قول جهم وأصحابه، فنقول -وبالله التوفيق-: إن الناس اختلفوا في معرفة الأرواح ومحلّها من النفس فقالت طائفة الأرواح كلها مخلوقة وهذا مذهب أهل الجماعة والأثر، واحتجت بقول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "الأرواح جنودٌ مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" (١) والجنود المجنّدة لا تكون إلا مخلوقة.

وقالت طائفةٌ: الأرواح من أمر الله أخفى الله حقيقتها وعلمها عن الخلق، واحتجت بقوله تعالى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسرَاء: الآية ٨٥].

وقالت طائفة: الأرواح نور من نور الله تعالى، وحياة من


(١) رواه مسلم (٢٦٣٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه البخاري (٣٣٣٦) من حديث عائشة رضي الله عنها.