للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنزلَ، هو صحة تأول فعل الأمر بالمصدر، من قبل أن فعل الأمر يصح أن يقع في صلة أنْ مصدرا، كما في نحو: أوعزت إليه بأن افعل، ولا يصح ذلك في اسم الفعل المشتق من المصدر، كما لم يصح في غير المشتق، ولا فرق بينهما في امتناع نصب الجواب.

وقد تقدم أنه لا ينصب جواب الدعاء إلا إذا كان بلفظ الطلب. وحكى الشيخ هنا أن الكسائي يجيز نصب جواب الدعاء بلفظ الخبر، ولم ينفرد الكسائي بهذا الجواز، فإن ابن السراج حكى ذلك عنه، ثم قال: وقال الفراء: إن قلت: غفر الله لزيد فيدخلَه الجنة جاز.

واعلم أن الأمر إنما يجزم بعده المضارع إذا كان جوابا لما يدل عليه دلالة ظاهرة، ويستلزمه لزوما بيِّنا، وهو شرط الفعل المأمور به. وعلامة ذلك صحة تقدير: إن تفعل، مكان الأمر. تقول: ائتني آتك، لأنك لما أمرت بالإتيان دل على أنه سبب وشرط لشيء هو عندك الإتيان، فجزمت بناء على ما دل عليه الأمر، كأنك قلت: إن تأتني آتك. وتقول: ائتني لا أزورُك أبدا، فترفع على الاستئناف، ولا يجوز أن تجزمه على معنى: إن تأتني لا أزورك، لأن الإتيان لا يكون سببا لترك الزيارة. ولا على معنى: إن لا تأتني لا أزورك، لأن لفعل الأمر دلالة ظاهرة على أنه شرط لفائدة، فيصح جزم الفعل بعده إذا حسن تقدير: إن تفعل مكانه، وجعل ذلك الفعل جوابا له، وليس لفعل الأمر دلالة ظاهرة على أن تركه شرط لشيء، فلا يجوز جزم الفعل بعده، بأنه جواب شرط مخالف.

والنهي فيما ذكرنا كالأمر، فإنه يجزم بعده المضارع إذا كان جوابا لما يدل عليه دلالة ظاهرة، ويستلزمه لزوما بينا، وهو شرط ترك الفعل للنهي عنه، وعلامة ذلك صحة تقدير: إن لا تفعل مكان النهي، تقول: لا تعص الله تنل رضاه، (لأنك لما نهيت عن المعصية، وطلبت تركها دل على أنه سبب وشرط لشيء، وكان ذلك الشيء عندك نيل الرضى، فجزمت بناء على ما دل عليه النهي، كأنك قلت: إن لا تعص الله تنل رضاه). وتقول لا تدن من الأسد يأكلُك، فترفع

<<  <  ج: ص:  >  >>